باستثمارات مليارية.. خطة ضخمة ستجعل مصر عملاقًا عالميًا في الطاقة
في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة، تملك الحكومة خطة طموحة باستثمارات تتجاوز المليار دولار أمريكي لإنشاء أربع محطات تموين للسفن بالغاز الطبيعي المسال (LNG) بحلول عام 2030.
وهذه الخطة، التي تأتي في سياق التحول العالمي نحو الطاقة المستدامة، ستحول مصر من دولة مستوردة للغاز إلى عملاق تجاري يسيطر على سلاسل التوريد البحرية في شرق المتوسط.
ويبدو أن المشروع يتقدم بخطى سريعة، مدعومًا بشراكات دولية ومذكرات تفاهم جديدة، مما يعزز من جاذبية مصر للاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض التفاصيل الكاملة للمشروع، وكيف سيحول مصر إلى دولة ذات ثقل كبير في مجال الطاقة عالميًا.
إنشاء 4 محطات تموين غاز طبيعي في الموانئ الرئيسية
وتتركز الخطة الرئيسية على إقامة أربع محطات تموين في الموانئ الرئيسية: بورسعيد، العين السخنة، الإسكندرية، والسويس.
وهذه المحطات ستكون قادرة على تزويد السفن بالغاز الطبيعي المسال، مما يقلل من الاعتماد على الوقود التقليدي الملوث ويتوافق مع معايير منظمة البحرية الدولية (IMO) للانبعاثات المنخفضة.
وهذه المشاريع ستعزز من إيرادات قناة السويس، التي شهدت مرور أكثر من 25 ألف سفينة في 2024، وستفتح أبوابًا لصفقات تجارية تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات سنويًا.
وفي آخر تحديث، وقعت وزارة البترول والثروة المعدنية وهيئة قناة السويس مذكرة تفاهم يوم 23 نوفمبر 2025 لإنشاء أول محطة لإسالة وتموين الغاز في بورسعيد، ضمن استراتيجية "القناة الخضراء".
وهذا المشروع، الذي يقدر بتكلفة أولية تصل إلى 1.1 مليار دولار، يهدف إلى تموين قاطرات الهيئة بالغاز النظيف، مما يوفر حوالي 20-80% من استهلاك الوقود التقليدي.
وأكد المهندس كريم بدوي، وزير البترول، أن هذه الخطوة ستجذب استثمارات إضافية من شركات عالمية، مشيرًا إلى أن مصر تمتلك ميزة تنافسية بفضل مصانع الإسالة في إدكو ودمياط، اللتان تنتجان الغاز محليًا.
الشراكات الدولية في استثمارات الغاز الطبيعي بمصر
وتلعب الشراكات الدولية دورًا حاسمًا في نجاح هذه الخطة، حيث أعربت شركات عملاقة مثل "شل" (Shell)، "بيراميد"، "إنفينيتي"، و"إيجل جاس" عن اهتمامها بضخ استثمارات مشتركة مع الشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعية (إيجاس).
وهذه الشراكات، التي بدأت بمذكرات تفاهم خلال مؤتمر المناخ كوب 27 في شرم الشيخ عام 2022، تشمل دراسات جدوى اقتصادية لنموذج عمل متكامل يجمع بين الإسالة، التخزين، والتوزيع.

ومن جانب آخر، أشارت عملاقة الشحن العالمية "إيه بي مولر ميرسك" (A.P. Moller-Maersk) إلى خططها لتجديد أسطولها بـ50 إلى 60 سفينة تعمل بالغاز الطبيعي المسال، مما يفتح السوق المصرية كمحطة رئيسية للتزود.
وفي سياق مشابه، وقعت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس مذكرة تفاهم مع شركة "سكاتنك" في ديسمبر 2023 بقيمة 1.1 مليار دولار لتزويد السفن بالوقود الأخضر في شرق بورسعيد، مع خطط لتوسيع الإنتاج إلى 100 ألف طن سنويًا.
وهذه الشراكات لا تقتصر على الغاز، بل تمتد إلى توليد الطاقة النظيفة، مما يعزز من مكانة مصر كـ"هاو" للاستثمارات في الطاقة المتجددة.
تحول مصر إلى مركز إقليمي للغاز
وشهدت مصر تحولاً جذريًا في قطاع الغاز الطبيعي، حيث انتقلت من مصدر صاف إلى مستورد بسبب الطلب المتزايد على الكهرباء، لكنها الآن تعمل على استيراد الغاز من قبرص وإسرائيل، تسييله في محطاتها، ثم إعادة بيعه عالميًا بهامش ربح يصل إلى 20%.
واكتشافات الغاز قبالة السواحل الإقليمية في 2009-2010 حولت شرق المتوسط إلى مركز إمدادات رئيسي، ومصر تستفيد من موقعها الاستراتيجي لقناة السويس.
وفي 2025، ارتفعت واردات مصر من الـLNG بنسبة 87% لتصل إلى 7.2 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى، مقارنة بـ3.85 مليار دولار العام الماضي، مدفوعة بزيادة الطلب على الكهرباء.
ومع ذلك، أعلنت مصر عن اتفاقيات لشراء ما يصل إلى 160 شحنة LNG حتى 2026 بتكلفة تزيد عن 8 مليارات دولار، مما يعكس التوازن بين الاستيراد والتصدير.
كما ربطت مصر 572 ألف أسرة جديدة بشبكة الغاز الطبيعي في العام المالي 2024/2025، مما يدعم الاستثمار الداخلي في الغاز رغم الواردات المتزايدة.
التأثير البيئي والاقتصادي
ويعد هذا المشروع إضافة نوعية للنقل البحري، حيث يوفر الغاز الطبيعي وقودًا نظيفًا يقلل الانبعاثات الكربونية بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بالوقود الثقيل.
وفي سياق التحول إلى "قناة خضراء"، ستشمل المحطات تقنيات تخزين متقدمة وإجراءات أمان بيئي، مما يجعل مصر رائدة في الاستدامة البحرية.
واقتصاديًا، من المتوقع أن يولد المشروع آلاف الوظائف ويرفع إيرادات قناة السويس بنسبة 15% بحلول 2030، مع جذب استثمارات تصل إلى 136 مليار جنيه مصري في قطاع البترول والغاز لعام 2024/2025.
ورغم التحديات مثل تقلبات أسعار الطاقة العالمية، فإن مصر تمتلك الموارد الأساسية للنجاح، بما في ذلك إنتاج محلي يتجاوز 6.6 مليون طن LNG سنويًا.
ومع توقيع مذكرات جديدة في نوفمبر 2025، وتوسع في الشراكات، ستكون مصر قادرة على تحقيق هدفها بأن تصبح عملاقًا عالميًا في الطاقة، وهذا المشروع ليس مجرد استثمار، بل رؤية استراتيجية تضع مصر في قلب الاقتصاد الأخضر العالمي.

