لاس فيجاس المتوسط.. مصر تحول شواطئها إلى منجم ذهب
في خطوة تعزز الشراكات الاقتصادية الخليجية - المصرية، أصبح الساحل الشمالي على البحر المتوسط وجهة استثمارية عالمية، مع ضخ استثمارات خليجية مباشرة تصل إلى 65 مليار دولار.
يأتي ذلك من خلال صفقتين عملاقتين، اتفاقية رأس الحكمة مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار، وصفقة علم الروم مع قطر بقيمة 29.7 مليار دولار.
وهذه الصفقات، التي شهدت توقيع الأخيرة منها في أوائل نوفمبر 2025، ليست مجرد مشاريع عقارية، بل تحول جذري للاقتصاد المصري، يدعم السياحة والتنمية المستدامة، ويواجه أزمات النقد الأجنبي والديون الخارجية.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض تفاصيل هذه الاستثمارات وأسباب جاذبيتها الاستثنائية.
صفقة رأس الحكمة مع الإمارات
ووقعت مصر في فبراير 2024 اتفاقية تاريخية مع تحالف إماراتي بقيادة شركة أبوظبي القابضة (ADQ)، لتطوير منطقة رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي.
ويبلغ الاستثمار الأجنبي المباشر 35 مليار دولار، مقسمة على دفتين: الأولى 15 مليار دولار في أسبوع واحد (10 مليارات سيولة خارجية و5 مليارات من ودائع إماراتية)، والثانية 20 مليار دولار بعد شهرين (14 مليار سيولة و6 مليارات ودائع).
وهذا الاستثمار، الذي يعد الأكبر في تاريخ مصر، يستهدف جذب إجمالي 150 مليار دولار على مدى سنوات التنفيذ.
ويمتد المشروع على 170 كيلومتر مربع، ويشمل أحياء سكنية فاخرة، منتجعات سياحية، مناطق صناعية، مراسي يخت، ومطار دولي.
ومن المتوقع بدء الأعمال في أوائل 2025، مع احتفاظ الحكومة المصرية بحصة 35% من الأرباح، وبحلول أكتوبر 2025، أدى هذا الاستثمار إلى تراجع الدين الخارجي المصري بنحو 11.8 مليار دولار، واستقرار سعر الصرف، وفق تقارير البنك المركزي.
كما ساهم في زيادة الاستثمارات العقارية بنسبة 15.8% في يونيو 2025، حيث بلغ متوسط سعر الفيلات 20 ألف جنيه مصري للمتر المربع.

صفقة علم الروم مع قطر
وفي تطور حديث، وقعت مصر في 5 نوفمبر الجاري اتفاقية مع شركة الديار القطرية، الذراع العقارية لصندوق الثروة السيادي القطري، لتطوير منطقة "سملا وعلم الروم" بمحافظة مطروح.
ويبلغ الاستثمار 29.7 مليار دولار، يشمل 3.5 مليار دولار نقدية كثمن الأرض (تسدد قبل نهاية 2025)، و26.2 مليار دولار استثمار عيني في البنية التحتية.
وتضيف الحكومة المصرية حصة عينية بقيمة 1.8 مليار دولار من وحدات سكنية، و15% من صافي الأرباح بعد استرداد التكاليف.
ويغطي المشروع 4900 فدان (20 كيلومتر مربع) على واجهة بحرية طولها 7.2 كيلومتر، ويهدف إلى إنشاء مدينة سياحية متكاملة تضم فنادق فاخرة (4500 غرفة)، مجمعات سكنية، ملاعب غولف، بحيرات صناعية، 3 مراسي يخت، مستشفيات، ومدارس.
ومن المتوقع إيرادات سنوية تصل إلى 1.8 مليار دولار، وتوفير 250 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، مع تنفيذ على مرحلتين دون مكونات صناعية.
يأتي هذا ضمن حزمة قطرية أوسع بـ7.5 مليار دولار، موافق عليها خلال زيارة الرئيس السيسي للدوحة في أبريل 2025.

لماذا يتهافت الخليج على الساحل الشمالي؟
ويعزى التهافت على الساحل الشمالي إلى مزيج من العوامل الجيواقتصادية والاستراتيجية، أولها، الموقع الفريد، من شواطئ بيضاء تمتد 650 ميلاً على البحر المتوسط، قريبة من أوروبا وآسيا، تجعلها وجهة سياحية على مدار العام، بعكس الاعتماد الموسمي السابق.
وثانياً، الاستقرار السياسي والاقتصادي، فبعد الربيع العربي، قدم الخليج مساعدات ولكن الآن يبحثون عن عوائد، حيث يتوقع معهد تشاتام هاوس نمواً في الاستثمارات بنسبة 20% سنوياً.
وثالثاً، الدعم الحكومي، حيث أن مصر مهدت البنية التحتية باستثمارات تصل إلى 70 مليار دولار في العقود الماضية، بما في ذلك مطار العلمين الدولي وطرق الوصول، مما يقلل التكاليف للمستثمرين.
ورابعاً، التنويع الاقتصادي، فكلاً من الإمارات وقطر يسعيان لتنويع خارج النفط، مع التركيز على السياحة الفاخرة، حيث يخطط أثرياء الخليج لشراء عقارات بـ1.1 مليار دولار في 2025.
وأخيراً، الشراكات الثنائية، حيث تعزز هذه الصفقات العلاقات السياسية، وتساعد مصر في جذب 42 مليار دولار استثمارات أجنبية في 2025-2026، مع تحسين التصنيف الائتماني وإعادة تدفق أقساط صندوق النقد الدولي.
دفعة للسياحة
وستحول هذه الاستثمارات الساحل الشمالي إلى مركز سياحي ينافس دبي وأبوظبي، مع توقع زيادة السياح إلى 30 مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وإيرادات تصل إلى 20 مليار دولار.
واقتصادياً، ستوفر 500 ألف فرصة عمل، وتقلل البطالة بنسبة 2%، وتزيد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5% سنوياً، كما تدعم التنمية المستدامة بتركيز على الطاقة المتجددة والحفاظ على البيئة، مع تجنب التآكل الساحلي.
مستقبل مشرق لشراكة خليجية - مصرية
ومع إغلاق صفقة علم الروم، يصل إجمالي الاستثمارات الخليجية في الساحل الشمالي إلى ما يقارب 65 مليار دولار، مما يعزز مكانة مصر كمركز استثماري إقليمي، وهذه الصفقات ليست نهاية، بل بداية لموجة جديدة، حيث تستهدف مصر صفقات مشابهة مع السعودية على البحر الأحمر.
والسر في التهافت يكمن في التوازن بين الفرص الاقتصادية والشراكات الاستراتيجية، التي تحول تحديات مصر إلى قصة نجاح عالمية.
