ثورة خضراء في مصر.. استثمارات بعشرات الملايين من الدولارات بقطاع الطاقة المتجددة
في قلب الصحراء المصرية، حيث تتألق الشمس بقوة لا تضاهى، تبرز مصر كواحدة من رواد الطاقة المتجددة في المنطقة، مدفوعة برؤية طموحة لتحقيق الاستدامة والاستقلال في مجال الطاقة.
أعلنت شركة "الكرم للطاقة الشمسية" (كرم سولار) عن استثمار 110 ملايين دولار خلال الثلاث سنوات المقبلة لتطوير مشروعات طاقة شمسية متطورة، في خطوة تعكس التزام مصر بتحويل أشعة الشمس إلى مصدر قوة اقتصادية وبيئية.
وهذه الاستثمارات، التي تأتي في إطار استراتيجية وطنية تهدف إلى رفع حصة الطاقة النظيفة إلى 42% بحلول 2030، تمثل نقطة تحول في مسيرة البلاد نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، تعزيز النمو الاقتصادي، ومواجهة تحديات التغير المناخي.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض تفاصيل هذا الاستثمار الضخم ودوره في تشكيل مستقبل الطاقة المستدامة في مصر.
حلول متكاملة للطاقة الشمسية
وتستهدف "كرم سولار"، التي تأسست عام 2011، تقديم حلول طاقة شمسية متكاملة تشمل توليد وتخزين الطاقة، وتطوير أنظمة الشبكات الصغيرة، وتوزيع الكهرباء للقطاعات السكنية، الصناعية، الزراعية، والتجارية.
وستركز استثمارات الـ110 ملايين دولار على إنشاء محطات طاقة شمسية متصلة ومستقلة عن الشبكة القومية، مع التركيز على تقنيات التخزين الحديثة لضمان استدامة الإمدادات.
وتشمل هذه المشروعات تطوير محطات بقدرة إجمالية تصل إلى 500 ميغاواط، مما يعزز حصة الطاقة الشمسية المستهدفة بنسبة 22% من مزيج الطاقة بحلول 2030، إلى جانب 14% من طاقة الرياح، 4% من المركزات الشمسية، و2% من الطاقة الكهرومائية.
وتتماشى هذه الاستثمارات مع الاستراتيجية الوطنية للطاقة المستدامة (ISES)، التي تهدف إلى رفع القدرات المركبة من الطاقة المتجددة إلى 20% بحلول 2025-2026، و42% بحلول 2030.
ووفقًا لتقرير هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة لعام 2025، بلغت القدرات الحالية 7.7 جيجاواط، موزعة بين 2.6 جيجاواط شمسية، 2.2 جيجاواط رياح، و2.8 جيجاواط مائية.
وستساهم مشروعات "كرم سولار" في تغطية احتياجات حوالي 400 ألف منزل، مع تقليل انبعاثات الكربون بنحو 1.2 مليون طن سنويًا.
دور "كرم سولار" في دعم القطاعات الاقتصادية
وتركز "كرم سولار" على تمكين القطاعات الرئيسية في مصر من خلال توفير حلول طاقة موثوقة ومستدامة، ففي القطاع الزراعي، تساعد محطات الطاقة الشمسية في تشغيل أنظمة الري، مما يقلل تكاليف التشغيل بنسبة 30% مقارنة بالديزل، وفقًا لتقرير وزارة الزراعة المصرية.

وفي القطاع الصناعي، توفر الشركة حلولاً متكاملة للمصانع، مما يعزز القدرة التنافسية من خلال خفض تكاليف الطاقة إلى أقل من 7 سنتات لكل كيلوواط ساعة.
كما تدعم القطاعات السكنية والتجارية من خلال أنظمة الشبكات الصغيرة، التي توفر الكهرباء في المناطق النائية مثل واحات الصحراء الغربية وسيناء.
كما تتضمن الخطة الاستثمارية أيضًا إنشاء أنظمة تخزين بطاريات بقدرة 100 ميجاواط/200 ميجاواط ساعة، مما يعالج تحديات تقطع الطاقة الشمسية ويضمن استمرارية الإمدادات ليلاً أو خلال فترات الذروة.
وهذه التقنيات، التي تعتمد على بطاريات الليثيوم أيون، تعد جزءًا من رؤية مصر لتطوير بنية تحتية ذكية للطاقة.
الفوائد الاقتصادية والبيئية
وتسهم استثمارات "كرم سولار" في تعزيز الاقتصاد المصري من خلال خلق حوالي 3,000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في مجالات التصميم، البناء، والتشغيل.
كما ستساعد في توفير ما يصل إلى 700 مليون دولار سنويًا من تكاليف استيراد الوقود الأحفوري بحلول 2030، وفقًا لتقديرات وزارة الكهرباء المصرية.
وبيئيًا، ستقلل المشروعات من انبعاثات الكربون بنسبة 15% في القطاعات المستهدفة، مما يدعم تقدم مصر في مؤشر الأداء البيئي إلى 43.7 نقطة في 2024، كما أفادت جامعة ييل.
وعلاوة على ذلك، تدعم هذه الاستثمارات خطة مصر لتصدير الكهرباء إلى دول الجوار، حيث وصلت القدرة المصدرة إلى 3,900 ميجاواط في 2025-2026 عبر روابط مع الأردن، ليبيا، والسعودية.
كما تعزز المشروعات مكانة مصر كمركز إقليمي لإنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث وقعت البلاد 30 مذكرة تفاهم بقيمة 64 مليار دولار لإنتاج 18 مليون طن سنويًا بحلول 2050.
التوقعات المستقبلية
وتواجه "كرم سولار" تحديات مثل الحاجة إلى تحسين البنية التحتية للشبكة القومية، التي تتطلب استثمارات بقيمة 1.2 مليار دولار لدمج القدرات الجديدة، وفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2025.
كما يتطلب تسريع تنفيذ المشروعات تبسيط الإجراءات الإدارية وتسهيل التمويل للقطاع الخاص. ومع ذلك، يتوقع تقرير Mordor Intelligence نمو سوق الطاقة المتجددة في مصر بنسبة 7.8% سنويًا، لتصل القدرة المركبة إلى 20.76 جيجاواط بحلول 2030.
وتمثل استثمارات "كرم سولار" البالغة 110 ملايين دولار خطوة حاسمة نحو تحقيق رؤية مصر للطاقة المستدامة.
ومن خلال تقديم حلول مبتكرة ومتكاملة، تساهم الشركة في تعزيز الاستقلال في مجال الطاقة، تقليل الانبعاثات، ودعم النمو الاقتصادي، مما يعزز مكانة مصر كرائدة إقليمية في الطاقة النظيفة.
