745 فدانا على النيل.. تفاصيل خطة طرح الحكومة الأراضي غير المستغلة على كورنيش النيل
تتحرك الدولة المصرية بخطى محسوبة نحو واحدة من أكثر الملفات الاقتصادية حساسية وأهمية، إذ بدأت الحكومة فعليًا في حصر واستثمار الأصول غير المستغلة الواقعة في مواقع استراتيجية، وعلى رأسها كورنيش النيل، ضمن خطة شاملة لإعادة توظيف موارد الدولة بما يحقق عائدا اقتصاديا ملموسا.
ففي هذا الإطار، دشنت الحكومة قاعدة بيانات دقيقة تضمنت حصر 745 فدانًا موزعة على 191 موقعًا في محافظتي القاهرة والجيزة، مع تحديد جهة الولاية، وطبيعة الاستخدام الحالي، والأنشطة القائمة داخل تلك المواقع، تمهيدًا لإعادة استثمارها بشكل يليق بمكانتها وقيمتها السوقية.
تحويل الأراضي إلى فرص استثمارية بمليارات الجنيهات
وجه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بسرعة تحويل هذه الأراضي إلى فرص استثمارية فاعلة، عبر تحديد تفاصيل دقيقة تشمل قيود الارتفاع، والسعر، والنشاط المقترح، وخطوات الترخيص لكل مشروع على حدة.
وأكد مدبولي أن قيمة هذه الأصول تتجاوز مليارات الجنيهات، مشيرا إلى أن العديد منها يستغل حاليا بأسلوب لا يتناسب مع تميز مواقعها، وأن أفضل توظيف لها سيكون في مشروعات تجارية وسياحية تضيف إلى الاقتصاد الوطني وتعيد رسم الخريطة العمرانية على ضفاف النيل.
ويعكس هذا التوجه - وفق رؤية الحكومة - فلسفة اقتصادية أعمق تقوم على تحقيق التوازن بين الحفاظ على ملكية الدولة من جهة، وتعظيم العائد المالي الحقيقي من جهة أخرى، بما يضمن توظيفا رشيدًا للأصول العامة.

برنامج حكومي لتأسيس سوق منظم للأصول
هذا التوجه ليس خطوة معزولة، بل يأتي امتدادا لخطة إصلاح اقتصادي أوسع تضمنها برنامج الحكومة المقدم إلى البرلمان عام 2024، والذي نص على تأسيس لجنة لتصفية وإدارة الأصول تتبع وزارة المالية، تستهدف تحقيق إيرادات سنوية تتراوح بين 20 و25 مليار جنيه من عمليات إعادة التوظيف أو التخارج.
ويعد هذا البرنامج بمثابة إطلاق سوق منظم للأصول المملوكة للدولة، يضمن الشفافية والكفاءة في إدارة الثروة العقارية ويحولها إلى أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي.
ثروة مجهولة في حاجة للاستغلال
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل تمتلك الدولة حصرًا دقيقًا لأصولها غير المستغلة حتى الآن؟
فبحسب وثائق رسمية وتصريحات سابقة، أعلنت الحكومة عام 2018 امتلاكها نحو 4250 أصلًا غير مستغل.
إلا أن هذه البيانات فقدت دقتها تدريجيا مع انتقال الوزارات والهيئات إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وتفريغ عشرات المباني الحكومية في قلب القاهرة، ما غير خريطة الأصول بالكامل، وجعل من تحديثها أولوية لأي إصلاح جاد في إدارة المال العام.

خبراء: تحول جوهري في فلسفة إدارة موارد الدولة
يرى خبراء الاقتصاد، بحسب تقرير نشرته العربية بزنسن، أن ما يجري حاليا يمثل تحولا جوهريا في فلسفة إدارة موارد الدولة، من نموذج يعتمد على امتلاك الأصول وتجميدها، إلى نموذج يقوم على استثمارها وتعظيم مردودها الاقتصادي.
وأشار الخبراء إلى أنه بدلا من بقاء الأراضي والمباني في دائرة الاستخدام المحدود، تتجه الدولة إلى ضخها في شرايين الاقتصاد الوطني لتوليد قيمة مضافة، وخلق موارد مستدامة تعزز قدرة الاقتصاد المصري على مواجهة التحديات المستقبلية.
واضافوا أن خطة تشكل استغلال الأصول غير المستغلة ركيزة أساسية في بناء اقتصاد أكثر كفاءة ومرونة، وتعد أحد الأعمدة الداعمة لمسيرة التنمية المستدامة التي تستهدفها الدولة المصرية في رؤيتها المستقبلية حتى عام 2030.
صندوق مصر السيادي يقود خطة التطوير
وتتولى وزارة التخطيط وصندوق مصر السيادي مهمة استكمال الحصر والتصنيف على مستوى الجمهورية، لتحديد أفضل آليات استثمار تلك الأصول، سواء عبر البيع المباشر، أو إعادة التطوير، أو الشراكة مع القطاع الخاص.
ويعد هذا التحرك محورًا رئيسيًا في خطة الإصلاح الهيكلي التي تتبناها الدولة لتعظيم العائد من مواردها وتعزيز كفاءة الإنفاق العام.
تركز الخطة الحكومية على تحويل الأصول غير المستغلة إلى مشروعات إنتاجية وخدمية قادرة على خلق فرص عمل جديدة وتحفيز النمو الإقليمي المتوازن.
وتشمل هذه الأصول أراضي شاسعة في مواقع مميزة يمكن تطويرها كمناطق صناعية، ولوجستية، وسكنية، إضافة إلى مبانٍ حكومية تاريخية يمكن إعادة توظيفها كمراكز أعمال أو مناطق تكنولوجية أو خدمات استثمارية متقدمة.

شراكات استراتيجية ومنصات إلكترونية للفرص
وفي سياق تنفيذ الخطة، وقعت الحكومة اتفاقيات شراكة مع مستثمرين محليين ودوليين لإعادة تطوير عدد من الأصول في القاهرة الكبرى والإسكندرية والعاصمة الإدارية الجديدة.
كما أطلق صندوق مصر السيادي منصة إلكترونية موحدة لعرض الفرص الاستثمارية المتاحة، بهدف تعزيز الشفافية وتسهيل وصول المستثمرين المحليين والأجانب إلى تلك المشروعات.
