من قلب الجيزة.. ميلاد المتحف المصري الكبير يفتح صفحة جديدة في سجل التراث العالمي
اليوم تفتح أبواب المتحف المصري الكبير أمام العالم، وتعلن مصر من قلب الجيزة أنها ما زالت تمتلك زمام الذاكرة الإنسانية، وتعرف كيف تروي حكايتها بنفسها بعد آلاف السنين من الصمت والتأويل. يوم تاريخي تُسطره الدولة المصرية الحديثة لتعيد كتابة سردها الحضاري من جديد، عبر أكبر متحف أثري في العالم يجمع بين العراقة المصرية القديمة وحداثة الفكر الهندسي والتقني.
يقف المتحف المصري الكبير عند مدخل هضبة الأهرامات شاهدًا على تلاقي الماضي بالمستقبل، فهو ليس مجرد متحف للعرض الأثري، بل مدينة ثقافية متكاملة تضم معامل ترميم، ومراكز أبحاث، وقاعات عرض تفاعلية، ومناطق للفعاليات والفنون، ومركزًا للتعلم والحوار بين الحضارات.
ويضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تحكي قصة مصر منذ فجر التاريخ وحتى العصر اليوناني الروماني، من بينها مجموعة الملك توت عنخ آمون الكاملة التي تُعرض لأول مرة في مكان واحد منذ اكتشافها عام 1922، إلى جانب مراكب الشمس ومسلة الملك رمسيس الثاني المعلقة التي أصبحت رمزًا أيقونيًا للمتحف ومركزًا لاهتمام الزوار.
ويأتي افتتاح المتحف تتويجًا لجهود مصرية استمرت عقدين من الزمن، شاركت فيها فرق هندسية وأثرية وفنية من مختلف الجهات الوطنية، بدعم من مؤسسات دولية وشركاء تنمية من اليابان واليونسكو، في إطار مشروع وُصف بأنه "أعظم هدية تقدمها مصر للعالم في القرن الحادي والعشرين".
في كلمته الافتتاحية، أكد رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي أن المتحف المصري الكبير يمثل “رسالة مصر إلى الإنسانية جمعاء”، مضيفًا أن الدولة المصرية اختارت أن يكون افتتاحه ليس فقط احتفالًا بالماضي، بل تجديدًا للعهد مع المستقبل، حيث يصبح المتحف مركزًا عالميًا للحوار الثقافي والسياحي والتعليمي.
كما أشار وزير السياحة والآثار إلى أن المتحف سيُحدث نقلة نوعية في السياحة الثقافية، موضحًا أن مصر تستهدف من خلاله استقبال ملايين الزوار سنويًا، في ظل طفرة البنية التحتية السياحية التي تشهدها البلاد، وربط المتحف بمطار سفنكس الدولي وشبكة الطرق والمواصلات الذكية.
ويعكس تصميم المتحف، الذي صاغه المعماري الأيرلندي هينغان ماك مورفي، فلسفة تجمع بين النور والحجر؛ إذ تنساب أشعة الشمس داخل القاعات الواسعة لتضيء ممرات تحكي عبرها القطع الأثرية قصة الإنسان المصري منذ آلاف السنين، في مزيج بصري يدمج بين الأصالة والحداثة.
ويصف خبراء التراث افتتاح المتحف المصري الكبير بأنه لحظة فارقة في الوعي الثقافي العالمي، إذ يعيد إلى مصر ريادتها في حفظ التراث الإنساني وتقديمه برؤية معاصرة، تجمع بين الدقة الأثرية والتكنولوجيا الحديثة، لتصبح مصر من جديد “ذاكرة العالم الحية”.
هذا اليوم، الذي ينتظره المصريون والعالم منذ سنوات، لا يمثل فقط افتتاح صرح أثري ضخم، بل هو ميلاد جديد لذاكرة وطن، واستعادة لصوت الحضارة المصرية وهي تُخاطب الإنسانية بثقة وجمال، وتُذكّر الجميع أن مصر لم تزل أم الحضارة ومصدر الإلهام منذ فجر التاريخ.
