البنك المركزي النيوزيلندي يخفض الفائدة 50 نقطة أساس ويلمّح لمزيد من التيسير النقدي لدعم الاقتصاد

اتخذ البنك المركزي النيوزيلندي، اليوم الأربعاء، خطوة مفاجئة للأسواق بخفض سعر الفائدة النقدي الرسمي بمقدار 50 نقطة أساس ليصل إلى 2.5%، في إشارة واضحة إلى قلقه من ضعف النشاط الاقتصادي وتزايد التحديات الداخلية والخارجية التي تهدد وتيرة النمو.
وأكد البنك في بيان سياسته النقدية أن اللجنة المعنية بالسياسة النقدية توصلت إلى إجماع على خفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، مشيرًا إلى أنها "تبقى منفتحة على مزيد من التخفيضات حسب الحاجة لضمان استقرار التضخم بالقرب من المستوى المستهدف البالغ 2% على المدى المتوسط".
وجاء القرار في وقت تراجعت فيه قيمة الدولار النيوزيلندي بنسبة 0.9% إلى 0.5745 دولار أمريكي، كما هبطت مقايضات أسعار الفائدة لأجل عامين إلى 2.5251% من 2.6194% قبل صدور القرار، فيما تُسعّر الأسواق الآن خفضًا إضافيًا متوقعًا بمقدار 25 نقطة أساس خلال الأشهر المقبلة ليصل المعدل إلى 2.25%، مع احتمال بنسبة 60% لمزيد من التيسير حتى 2.00%.
ويرى محللون أن القرار يعكس إدراك البنك المركزي بأن ضعف الاقتصاد المحلي وتراجع ثقة الأعمال يستدعيان تحركًا سريعًا لدعم الطلب والاستثمار. وقال نِك تافلي، كبير الاقتصاديين في بنك "إيه إس بي"، إن "احتمالات ضعف الضغوط التضخمية كانت أكثر أهمية من الانتظار لرؤية مدى سرعة تعافي الاقتصاد أو آثار الطفرة التضخمية السابقة"، مؤكدًا أن السياسة النقدية ستظل تيسيرية خلال الفترة المقبلة.
من جهتها، رحبت الحكومة النيوزيلندية بالقرار، حيث وصفه رئيس الوزراء كريستوفر لكسون بأنه "خطوة ضرورية لتحفيز الاقتصاد الراكد". كما قالت وزيرة المالية نيكولا ويليس إن خفض الفائدة يمثل "أخبارًا جيدة للنمو وفرص العمل والاستثمار"، مشيرة إلى أن "العديد من النيوزيلنديين لا يزالون يواجهون صعوبات مع ارتفاع تكاليف المعيشة وندرة الوظائف".
يأتي ذلك في وقت يواجه فيه الاقتصاد النيوزيلندي ضغوطًا متزايدة، بعد أن انكمش بنسبة 0.9% خلال الربع الثاني من العام الجاري، بينما تراجعت ثقة المستهلكين والأعمال بفعل تكاليف الاقتراض المرتفعة، ما زاد من صعوبة تحقيق تعافٍ اقتصادي مستدام.
وتشير بيانات إدارة الإحصاء النيوزيلندية إلى أن معدل التضخم بلغ 2.7% في الربع الثاني ومن المتوقع أن يصل إلى 3.0% في الربع الثالث، إلا أن البنك المركزي أكد أن "الطاقة الفائضة في الاقتصاد ستدفع التضخم نحو منتصف النطاق المستهدف بين 1% و3% بحلول عام 2026".
ويُعد اجتماع الأربعاء قبل الأخير لحاكم البنك الحالي كريستيان هوكسبي، قبل أن تتسلم السويدية آنا برين مهامها في الأول من ديسمبر المقبل، بعد تعيينها رسميًا من الحكومة الشهر الماضي.
وكان البنك المركزي النيوزيلندي قد تبنّى منذ أغسطس 2024 دورة تيسير نقدي واسعة، خفّض خلالها أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس بعد أن نفّذ في الفترة بين أكتوبر 2021 وسبتمبر 2023 أكبر دورة تشديد نقدي منذ عام 1999، برفع الفائدة آنذاك بمقدار 525 نقطة أساس لمواجهة تضخم ما بعد الجائحة.
ويرجّح محللون أن تواصل نيوزيلندا نهجها التيسيري في ظل توقعات بتباطؤ نمو الشركاء التجاريين الرئيسيين، وتداعيات السياسات الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالإضافة إلى السياسة المالية المتشددة للحكومة، والتي أثرت سلبًا في ثقة الأعمال وزادت من معدلات البطالة.
وقالت زوي واليس، الخبيرة الاستراتيجية في شركة الوساطة "فورسايث"، إن البنك المركزي "قد يخفض الفائدة إلى ما دون 2.25% إذا ظل التضخم تحت السيطرة ولم تظهر مؤشرات قوية على تعافي الاقتصاد خلال الأشهر المقبلة"، مؤكدة أن التحدي الأكبر يكمن في "تحقيق توازن بين السيطرة على التضخم ودعم النمو الاقتصادي".