العمل يجري على قدم وساق.. متى تتخلى مصر عن سفن التغييز؟

تبرز سفن التغييز كحل مؤقت لتأمين احتياجات مصر من الغاز الطبيعي، خاصة خلال فصل الصيف الذي يشهد ذروة الاستهلاك، وهذه السفن العملاقة، التي تحول الغاز المسال إلى حالته الغازية لضخه في الشبكة القومية، أصبحت ركيزة أساسية لاستقرار الطاقة في البلاد.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: متى ستتمكن مصر من الاستغناء عن هذه السفن؟ وهل تمثل هذه الخطوة نقطة تحول استراتيجية نحو الاعتماد على الإنتاج المحلي؟.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض آخر التطورات حول استخدام سفن التغييز في مصر، ونحلل الخطط الحكومية للانتقال إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي.
سفن التغييز الحل المؤقت لأزمة الطاقة
وتعتمد مصر حاليًا على سفن التغييز لتلبية الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي، خاصة بعد التحديات التي واجهتها خلال صيف 2024، حيث شهدت البلاد انقطاعات في الكهرباء بسبب نقص إمدادات الغاز.
ووفقًا لتصريحات رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، فإن مصر نجحت في تشغيل ثلاث سفن تغييز في ميناء العين السخنة بطاقة إجمالية تصل إلى 2250 مليون قدم مكعب يوميًا، مع خطط لإضافة سفينتين إضافيتين في ميناء الإسكندرية والعقبة الأردني لتعزيز القدرة الاستيعابية.
وهذه السفن، التي يتم استئجارها من شركات عالمية بتكلفة تصل إلى 100 مليون دولار سنويًا للسفينة الواحدة، تمثل استثمارًا مكلفًا لكنه ضروري لتجنب أزمات الطاقة.
لماذا تحتاج مصر إلى سفن التغييز؟
وتعود الحاجة إلى سفن التغييز إلى تراجع إنتاج الغاز المحلي في مصر خلال السنوات الأخيرة، حيث انخفض الإنتاج بنسبة 17% في مايو 2025 مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، وفقًا لقاعدة بيانات الطاقة المشتركة (جودي).
وهذا الانخفاض يعزى إلى عوامل مثل استنفاد بعض الحقول الطبيعية، والتوترات الإقليمية التي أثرت على إمدادات الغاز من الشرق، ونتيجة لذلك لجأت مصر إلى استيراد الغاز المسال عبر هذه السفن لتغطية الفجوة بين الإنتاج المحلي والطلب المتزايد، خاصة في محطات الكهرباء والصناعات.

خطة مصر للاستغناء عن سفن التغييز
ووفقًا لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، فإن استخدام سفن التغييز يعد حلاً مؤقتًا لمدة خمس سنوات على الأقل، حتى تستعيد حقول الغاز المصرية، مثل حقل ظهر، إنتاجيتها الكاملة.
وتصريحات رئيس الوزراء أكدت أن الدولة تعمل على زيادة الإنتاج المحلي من خلال خطين إنتاجيين جديدين من شركتي شل وإيني، مما سيسهم في تقليل الاعتماد على الغاز المستورد.
كما أشار مدبولي إلى أن هذا التحرك بدأ منذ أكثر من ستة أشهر، مما يعكس استراتيجية استباقية لتأمين الطاقة، ومع استعادة الإنتاج المحلي لمستوياته الطبيعية، من المتوقع أن تتخلى مصر تدريجيًا عن سفن التغييز.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر حكومية أن الدولة ملتزمة بسداد مستحقات الشركاء الأجانب وتقديم حوافز لزيادة الإنتاج، مما يعزز الثقة في قدرة مصر على تحقيق الاكتفاء الذاتي.
التحديات والتكاليف
وعلى الرغم من فعالية سفن التغييز في حل أزمة الطاقة، إلا أنها تأتي بتكلفة مالية وبيئية/ وتكلفة استئجار سفينة واحدة تتجاوز 100 مليون دولار سنويًا، بينما تصل تكلفة شراء سفينة إلى حوالي 300 مليون دولار.
وهذه التكاليف تضع ضغطًا على الموازنة العامة، مما يجعل استعادة الإنتاج المحلي أولوية استراتيجية، ومن الناحية البيئية، تساهم السفن في تقليل انبعاثات الغازات الضارة مقارنة بالنقل البري، لكنها ليست حلاً مستدامًا على المدى الطويل.
مستقبل الطاقة في مصر
وتسعى مصر إلى تعزيز دورها كمركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز الطبيعي، وهو ما يتطلب تطوير البنية التحتية وتعزيز الشبكة القومية للغاز.
وخطط التوسع تشمل تحسين أساليب النقل والتخزين، بالإضافة إلى استغلال الاحتياطيات الجديدة من الغاز والذهب، كما أعلن عن اتفاقيات جديدة مع شركات عالمية مثل سنتامين وباريك لتطوير قطاع التعدين.
وهذه الجهود تهدف إلى تحقيق استقرار طاقي واقتصادي يمكن مصر من التخلي عن سفن التغييز بشكل تدريجي بحلول عام 2030، وفقًا للتوقعات الحكومية.
وسفن التغييز ليست مجرد حل تقني، بل هي جزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى حماية الاقتصاد المصري من تقلبات سوق الطاقة العالمية، ومع عودة الإنتاج المحلي إلى مستوياته الطبيعية وزيادة الاستثمارات في الحقول الجديدة، تقترب مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتي.