حسن عبد الله.. مهندس التحول النقدي في مصر و“العقل الهادئ” خلف معادلة الاقتصاد الجديد

منذ اللحظة التي تولى فيها حسن عبد الله مهام القائم بأعمال محافظ البنك المركزي المصري في أغسطس 2022، بدأت ملامح جديدة ترتسم على وجه السياسة النقدية في مصر، فمن خلال رؤية هادئة وحسم محسوب، قاد عبد الله تحولا جذريا في إدارة المنظومة النقدية، واضعا الاقتصاد الوطني على مسار استقرار حقيقي بعد سنوات من التحديات المتراكمة.
الطريق لم يكن سهلا، فقد واجهت مصر خلال تلك الفترة واحدة من أعقد موجات التضخم، واشتدت ضغوط السوق السوداء، بينما تراجعت الثقة في العملة المحلية، لكن حسن عبد الله، بخبرته العميقة في الشأن المصرفي وقدرته على اتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة، أعاد رسم معادلة السياسة النقدية على أسس أكثر واقعية وشفافية، لتتحول التحديات إلى إنجازات ملموسة في أرقام الاقتصاد الكلي.
تحرير سعر الصرف.. بداية التسعير الموحد للدولار في السوق
استطاع البنك المركزي في مارس 2024، بقيادة عبد الله، تنفيذ أحد أكثر القرارات جرأة في تاريخ السياسة النقدية المصرية، عبر تبني نظام سعر صرف مرن، وهذا القرار، الذي طال انتظاره، أدى إلى إنهاء الازدواجية في أسعار الصرف، وقضى على الفجوة بين السوق الرسمية والسوق السوداء، مما عزز من ثقة المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.
هذا التحول لم يكن شكليا، بل أدى إلى إعادة هيكلة كاملة لبيئة تداول العملات الأجنبية في مصر، وأعاد السيطرة للبنك المركزي على مجريات السوق، بعد سنوات من التأرجح.

سياسة نقدية صارمة لمواجهة التضخم
بالتوازي مع إصلاحات سوق الصرف، مضى عبد الله في تنفيذ سياسات نقدية صارمة تستهدف كبح جماح التضخم، حيث رفع أسعار الفائدة تدريجيا لتصل إلى 27.75% للإيداع و28.75% للإقراض في مارس 2024، ما ساعد على امتصاص السيولة الزائدة وخفف من حدة موجة الأسعار العالمية، خصوصا مع تراجع قيمة الجنيه وارتفاع تكلفة الواردات.
وجاءت النتائج تدريجية لكنها فعالة، فقد انخفض معدل التضخم العام في المدن إلى 14.9% في يونيو 2025، مقارنة بذروته التي بلغت 40.3% في فبراير 2023، كما تراجع التضخم الأساسي إلى 23.2% في نهاية 2024، وسط توقعات باستمرار هذا المنحنى الهبوطي ليصل إلى أقل من 10% مع نهاية 2025.
معركة السوق السوداء.. كيف انتصر فيها حسن عبدالله؟
من أخطر ما واجهته السوق المصرية خلال السنوات الأخيرة، كان انتشار السوق السوداء للعملات، إلا أن عبد الله واجه هذا الملف بقرارات دقيقة وحاسمة، من خلال تعويم الجنيه، تحسين بيئة التحويلات الأجنبية، وتوفير النقد الأجنبي من مصادر متعددة، ولعل صفقة "رأس الحكمة" التي بلغت قيمتها 35 مليار دولار، إلى جانب تمويلات دولية تجاوزت 57 مليار دولار في 2024، كانت من بين أبرز أدوات التدخل المؤثرة.
ونجح البنك المركزي في تحويل السوق الرسمية إلى المصدر الأساسي للعملات، لينتهي عصر السوق السوداء فعليا، ويستقر سعر الدولار عند مستوى أقل 49 جنيها في يوليو 2025.

الشمول المالي.. نقلة نوعية للمواطن والاقتصاد
لم تقتصر إصلاحات حسن عبد الله على الملفات الكبرى فحسب، بل امتدت لتشمل بنية الشمول المالي، فقد أطلق البنك المركزي حزمة مبادرات رقمية وتنظيمية شجعت على دخول شرائح جديدة إلى المنظومة المصرفية، أبرزها السماح للقصر فوق 16 عاما بفتح حسابات بنكية، وإطلاق نظام المدفوعات اللحظية، بالإضافة إلى إصدار قواعد البنوك الرقمية.
النتيجة كانت ملموسة للغاية، حيث ساهمت هذه القرارات في ارتفاع نسبة الشمول المالي إلى 71% بنهاية 2024، وهو ما يمثل تطورا غير مسبوق في هذا الملف الهام.
قفزة في الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر

واحدة من أبرز مؤشرات نجاح السياسة النقدية تحت إدارة حسن عبد الله، كانت الطفرة في حجم الاحتياطي النقدي الذي قفز من 33.1 مليار دولار في أغسطس 2022 إلى 48.700 مليار دولار أمريكي في نهاية يونيو 2025، وهو رقم يكفي لتغطية واردات مصر السلعية لنحو 8 أشهر.
هذا الاحتياطي القوي ساعد في تثبيت سعر الصرف، ودعم مشاريع البنية التحتية، كما وفر شبكة أمان مهمة في ظل التوترات الجيوسياسية، وساهم في تسجيل معدل نمو اقتصادي مرتفعة تخطت 4% في 2025.
ومع اقتراب معدل التضخم من المستويات الأحادية، واستقرار سعر الصرف، وتعافي الاحتياطي النقدي، يبدو أن مصر باتت أقرب من أي وقت مضى إلى استعادة توازنها الاقتصادي بثقة، ويظل حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي، كما وصفه البعض بـ"العقل الهادئ" الذي أعاد ترتيب أولويات السياسة النقدية، ومهندس التحول الذي أعاد للاقتصاد المصري توازنه وهيبته.