مصر تستهدف خفض دين أجهزة الموازنة للناتج المحلي.. ماذا يعني هذا للاقتصاد؟
في عالم يعج بالتحديات الاقتصادية العالمية، حيث تكافح الدول للسيطرة على ديونها وسط تقلبات الأسواق، تبرز مصر كقصة نجاح محتملة، وتخيل اقتصادًا يتحرر تدريجيًا من أغلال الديون، مما يفتح أبوابًا واسعة للاستثمار والتنمية.
وهذا هو الواقع الذي تسعى إليه الحكومة المصرية من خلال هدفها الطموح لخفض معدل دين أجهزة الموازنة إلى أقل من 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول يونيو 2026.
ولكن ماذا يعني هذا الهدف فعليًا للاقتصاد المصري؟ هل هو مجرد رقم على الورق، أم مفتاح لنمو مستدام ورفاهية أكبر؟.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض الدلالات الاقتصادية لهذه الخطوة، لنكشف كيف يمكن أن يغير هذا التوجه مسار الاقتصاد المصري نحو الأفضل.
دين أجهزة الموازنة وأهميته في الاقتصاد المصري
ويشير "دين أجهزة الموازنة" إلى الديون المتراكمة على الموازنة العامة للدولة، بما في ذلك الجهات الحكومية المدرجة فيها، وهو مؤشر رئيسي للاستدامة المالية.
ويعكس هذا الدين قدرة الدولة على إدارة التزاماتها دون الإضرار بالنمو الاقتصادي، وفي ديسمبر 2025، يقدر معدل الدين بنحو 84.5% من الناتج المحلي الإجمالي، مع تراجع ملحوظ بنسبة تزيد عن 11% خلال العامين الماضيين.
وهذا التراجع يأتي وسط جهود حكومية مكثفة لإعادة هيكلة الديون، حيث انخفض الدين الخارجي بنحو 4 مليارات دولار، ووصل الدين العام إلى حوالي 83% من الناتج المحلي في السنة المالية 2025.
وبالمقارنة مع المتوسط العالمي، يظل الدين المصري مرتفعًا نسبيًا، لكنه يشهد تحسنًا مقارنة بمستويات سابقة تجاوزت 96% في 2023.
ووفقًا لتقارير دولية، يبلغ متوسط الدين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حوالي 40%، مما يجعل هدف مصر الطموح خطوة نحو التقارب مع هذه المستويات.
الأهداف الحكومية لخفض الدين بحلول 2026
وأكد وزير المالية أحمد كجوك في تصريحات حديثة أن الحكومة تستهدف خفض معدل الدين إلى أقل من 80% بحلول يونيو 2026، ضمن استراتيجية شاملة تركز على الأدوات المبتكرة مثل مبادلات الديون مقابل مشروعات تنموية وتعزيز الإيرادات غير الضريبية.
وأشار كجوك إلى أن مصر نجحت في خفض الدين بنسبة 10% خلال الفترة الماضية، مستفيدة من إيرادات الاستثمارات الاستراتيجية التي بلغت مليارات الجنيهات.
كما تهدف الاستراتيجية إلى خفض نسبة الدين الخارجي إلى 40% أو أقل بحلول نهاية السنة المالية 2025/2026، بالتوافق مع برنامج صندوق النقد الدولي الذي يستهدف الوصول إلى 72.5% بحلول 2030.
وهذه الأهداف تأتي مدعومة بزيادة الاستثمارات الخاصة بنسبة 73% العام الماضي، وزيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 35% دون فرض أعباء جديدة، مما يعكس تحسن النشاط الاقتصادي.

الاستراتيجيات المعتمدة لتحقيق خفض الدين
وتعتمد الحكومة على محاور متعددة لخفض الدين، بما في ذلك تعزيز الانضباط المالي، زيادة الإيرادات من الإصلاحات الضريبية والجمركية، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
كما تشمل الاستراتيجية استخدام إيرادات صفقات الاستثمار الكبرى لسداد الديون، وتقليل الاقتراض الجديد.
ووفقًا لتقارير حديثة، يركز البرنامج على تحقيق نمو في الناتج المحلي يفوق نمو الدين، مما يعزز القدرة على خدمة الالتزامات الخارجية.
وبالإضافة إلى ذلك، تُوجه المساحات المالية الجديدة نحو الحماية الاجتماعية والتنمية البشرية، مثل زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم، لضمان أن ينعكس خفض الدين إيجابًا على المواطنين.
التأثيرات الاقتصادية لخفض الدين
ويحمل خفض الدين دلالات إيجابية كبيرة على الاقتصاد المصري، أولاً، يقلل من أعباء الفوائد، التي تشكل حاليًا أكبر بنود الإنفاق في الموازنة، مما يوفر موارد للاستثمار في القطاعات الحيوية.
وثانيًا، يعزز الثقة لدى المستثمرين، ويحسن التصنيف الائتماني، كما حدث مع ترقية مصر إلى "B" من قبل وكالة S&P بفضل الإصلاحات.
وثالثًا، يدعم النمو الاقتصادي المستدام، حيث يتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي إلى 4.3% في 2025، مع تراجع التضخم.
ومع ذلك، تواجه مصر تحديات مثل الحفاظ على الفائض الأولي (3.5% في 2025) وضمان أن لا يؤدي خفض الدين إلى تقليص الإنفاق الاجتماعي.
آراء الشركاء الدوليين والقطاع الخاص حول هذه الخطوة
وأشاد السفير الفرنسي إيريك شوفالييه بالإصلاحات المصرية، مشيرًا إلى أنها تعزز الثقة وتدفع الصادرات نحو الأسواق العالمية.
كما أعرب رئيس غرفة التجارة الفرنسية عماد السنباطي عن دعمه لاستمرار تبسيط الإجراءات والحوار مع القطاع الخاص لتعزيز التنافسية.
ومن جانب دولي، يرى البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أن خفض الدين سيقلل تدريجيًا من 88% حاليًا، مما يدعم النمو في منطقة الشرق الأوسط.
مستقبل اقتصادي واعد مع الالتزام بالإصلاحات
ويمثل هدف خفض دين أجهزة الموازنة إلى أقل من 80% بحلول 2026 تحولًا استراتيجيًا يعزز الاستقرار المالي ويفتح آفاقًا جديدة للنمو في مصر.
ومع التقدم المحقق والدعم الدولي، يتوقع أن يشهد الاقتصاد تحسنًا في مستوى المعيشة والجاذبية الاستثمارية، شريطة الاستمرار في الإصلاحات، وهذا ليس مجرد هدف مالي، بل رؤية لمصر أقوى اقتصاديًا.
