بعد 8 أشهر من الإنكماش.. القطاع الخاص المصري يكشر عن أنيابه ويعود للنمو مرة أخرى
في تطور إيجابي يعكس بداية انتعاش اقتصادي، سجل القطاع الخاص غير النفطي في مصر نمواً لأول مرة في تسعة أشهر خلال نوفمبر الماضي، مدعوماً بزيادة الإنتاج والطلب الجديد، إلى جانب تراجع ضغوط التكاليف وتباطؤ ارتفاع الأسعار.
وهذا التحسن يأتي بعد فترة طويلة من الركود، حيث تجاوز مؤشر مديري المشتريات (PMI) التابع لشركة "إس آند بي جلوبال" عتبة الـ50 نقطة، مشيراً إلى انتقال الاقتصاد من مرحلة الانكماش إلى النمو.
ووفقاً للتقرير الصادر اليوم الأربعاء، يمثل هذا أقوى أداء للقطاع في خمس سنوات، مما يبعث على التفاؤل بشأن مسار الاقتصاد المصري في الربع الرابع من العام الجاري.
يأتي هذا الانتعاش في سياق جهود حكومية مستمرة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي، بما في ذلك تحسين إدارة الاستثمارات العامة وتشجيع مشاركة القطاع الخاص.
كما ساهم ارتفاع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار في خفض تكاليف الاستيراد، مما ساعد الشركات على تعزيز إنتاجها، ومع ذلك، يظل التحدي قائماً في مجال التوظيف، حيث ترددت الشركات في زيادة أعداد الموظفين رغم الطلب المتزايد.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض كيف وصل القطاع الخاص المصري إلى النمو بعدما كان منكمشًا لفترة امتدت إلى 8 أشهر.
ارتفاع مؤشر مديري المشتربات إلى أعلى مستوياته في 5 سنوات
وارتفع مؤشر مديري المشتريات المعدل موسمياً إلى 51.1 نقطة في نوفمبر 2025، مقارنة بـ49.2 نقطة في أكتوبر السابق، متجاوزاً مستوى الـ50 نقطة لأول مرة منذ فبراير الماضي.
وهذا الارتفاع يمثل أعلى قراءة للمؤشر منذ أكتوبر 2020، ويشير إلى تحسن ملحوظ في ظروف الأعمال غير النفطية.
ووفقاً لديفيد أوين، الخبير الاقتصادي الأول في "إس آند بي جلوبال ماركت إنتلجنس"، تشير هذه القراءة تاريخياً إلى إمكانية ارتفاع نمو الناتج المحلي الإجمالي (GDP) على أساس سنوي إلى أكثر من 5% في الربع الرابع من 2025.
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة التخطيط في نهاية الشهر الماضي عن نمو الاقتصاد المصري بنسبة 5.3% خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2025، مدعوماً بانتعاش إيرادات قناة السويس وقطاعي السياحة والصناعات التحويلية.
وهذا المعدل يعد الأعلى في أكثر من ثلاث سنوات، ويأتي بعد نمو سنوي بلغ 4.4% في السنة المالية 2024/2025، متجاوزاً التوقعات الأولية.
تحسن واسع النطاق يشمل معظم القطاعات
وشهد التحسن انتشاراً واسعاً عبر القطاعات، حيث أفادت الشركات بارتفاع مستويات الإنتاج لأول مرة منذ يناير 2025، مسجلة أقوى معدل في خمس سنوات.
وشمل هذا التحسن قطاعات التصنيع والبناء والخدمات، بينما سجل قطاع الجملة والتجزئة انخفاضاً طفيفاً في النشاط.
وأوضح أوين أن ارتفاع الطلبات الجديدة كان شاملاً، مما يعزز الآمال في استدامة هذا الانتعاش ويشجع الشركات على زيادة التوظيف والنشاط الشرائي.
وارتفعت الطلبات الجديدة من العملاء الحاليين والجدد، مرتبطة جزئياً بتراجع الضغوط السعرية، مما أنهى ثمانية أشهر متتالية من التراجع.
وهذا الانتعاش يعكس ثقة متزايدة في السوق المصرية، خاصة مع تحسن الظروف الخارجية مثل استقرار أسعار السلع العالمية ودعم الاستثمارات الأجنبية.

تباطؤ معدل التضخم وتراجع تكاليف الاستيراد
وتباطأ معدل التضخم الإجمالي للتكاليف في نوفمبر إلى أدنى مستوياته في ثمانية أشهر، حيث أشار العديد من الشركات إلى أن ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار ساهم في خفض تكاليف الاستيراد.
وهذا التراجع في التكاليف ساعد في تباطؤ وتيرة ارتفاع أسعار المنتجات والخدمات، مما يعزز القدرة التنافسية للمنتجات المصرية محلياً ودولياً.
الجدير بالذكر أن التضخم في مصر انخفض تدريجياً من ذروته البالغة 38% في سبتمبر 2023، ويتوقع الخبراء أن يصل إلى 12.3% في السنة المالية 2025/2026، مع استمرار السياسات النقدية المتشددة.
وهذه التطورات تساهم في خلق بيئة أكثر استقراراً للأعمال، مما يشجع على الاستثمار.
استقرار مستويات التوظيف وارتفاع الأعمال المتراكمة
ورغم التحسن في الإنتاج والطلب، ترددت الشركات في زيادة أعداد الموظفين، مما أدى إلى بقاء مستويات التوظيف مستقرة ضمن اتجاهها الهابط في الشهور الأخيرة.
وهذا التردد أسهم في ارتفاع الأعمال المتراكمة للشهر الثالث على التوالي، مما يشير إلى حاجة محتملة لتوسع في القوى العاملة مستقبلاً.
وفيما يتعلق بتوقعات النشاط المستقبلي، أعربت بعض الشركات عن تفاؤل بسبب تحسن مؤشرات الطلب، رغم انخفاض الثقة العامة قليلاً مقارنة بالشهر السابق.
وهذا يعكس درجة محدودة من الحذر وسط التحديات الجيوسياسية الإقليمية.
توقعات نمو الاقتصاد المصري
وتشير التوقعات إلى أن نمو الاقتصاد المصري سيستمر في الارتفاع، مع توقع نمو بنسبة 4.6% في السنة المالية 2025/2026، مدعوماً بانخفاض التضخم وتخفيض أسعار الفائدة وزيادة الصادرات بفضل ضعف الجنيه.
كما يتوقع صندوق النقد العربي نمواً بنسبة 4.2% في 2025، يرتفع إلى 4.7% في 2026، مع تراجع التضخم إلى 17.9% في 2025.
ويمثل عودة القطاع الخاص المصري إلى النمو خطوة هامة نحو الانتعاش الاقتصادي المستدام، ومع ذلك، يتطلب الحفاظ على هذا الزخم تعزيز الإصلاحات الهيكلية، بما في ذلك تشجيع التوظيف وتعزيز الاستثمارات الأجنبية.
ووسط التحديات العالمية، تبقى مصر على مسار إيجابي يعتمد على تنويع اقتصادها وتعزيز دور القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو.
