أزاحت الهند والفلبين.. مصر تسعى لتكون عاصمة صناعة التعهيد الجديدة في العالم
في ظل التحول الرقمي العالمي المتسارع، تبرز مصر كواحدة من أبرز الوجهات الجاذبة لصناعة التعهيد، حيث تشهد هذه الصناعة طفرة نمو غير مسبوقة مدعومة باستراتيجية وطنية طموحة واستثمارات أجنبية مباشرة.
ومع انطلاق القمة العالمية لصناعة التعهيد في مصر اليوم الأحد، يتجه التركيز نحو تعزيز مكانة البلاد كمركز إقليمي وعالمي لتصدير الخدمات الرقمية.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض التطورات الأخيرة في صناعة التعهيد المصرية، ودور القمة في رسم مستقبل القطاع.
من 64 شركة إلى أكثر من 180 في أربع سنوات
وشهدت صناعة التعهيد في مصر نموًا هائلاً خلال السنوات الأربع الماضية، حيث ارتفع عدد الشركات العاملة في هذا المجال بنسبة 180% منذ عام 2021، ليصل إلى أكثر من 180 شركة دولية قامت بإنشاء ما يزيد على 200 مركز لخدمات التعهيد.
ووفقًا لتقارير هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا)، بلغت قيمة تعاملات الخدمات التعهيدية في مصر نحو 239 مليار جنيه مصري بنهاية عام 2024، مع توقعات بنمو إضافي بنسبة 54.2% في 2025 ليصل إلى 3.7 مليار دولار.
وهذا النمو يعكس ثقة المستثمرين العالميين في البنية التحتية الرقمية المصرية والكوادر الشابة المؤهلة، حيث يتخرج الجامعات المصرية سنويًا أكثر من 760 ألف طالب، 28% منهم في التخصصات العلمية والتكنولوجية (STEM).
وفي النصف الأول من عام 2025، سجلت الاستثمارات في التعهيد ارتفاعًا قياسيًا، مدفوعًا بانخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار، مما عزز التنافسية السعرية لمصر مقارنة بالهند والفلبين.
وعلى سبيل المثال، وقعت شركة Concentrix الأمريكية مذكرة تفاهم مع إيتيدا في يناير 2025 باستثمارات تصل إلى مليار دولار على مدار أربع سنوات، لتوفير أكثر من 16 ألف فرصة عمل بحلول 2028.
كما دخلت VXI Global Solutions السوق المصري عام 2024، ووصلت إلى 1000 مقعد عمل في 2025، مع خطط للوصول إلى 5000 موظف باستثمارات 135 مليون دولار.
وهذه التوسعات ليست محلية فقط، فقد أعلنت شركات أوروبية وأمريكية أخرى عن استثمارات بقيمة 40 مليون دولار في الربع الثالث من 2025، مما يعزز من تصدير الخدمات الرقمية إلى أسواق أفريقيا والشرق الأوسط.
استراتيجية مصر الرقمية لصناعة التعهيد 2022-2026
وتعد استراتيجية مصر الرقمية لصناعة التعهيد (2022-2026) الركيزة الأساسية لهذا النمو، حيث تهدف إلى جذب كبرى الشركات العالمية، تنمية الصادرات الرقمية، وتوفير فرص عمل للشباب في الاقتصاد الرقمي.
وأطلقت الاستراتيجية في فبراير 2022 بالتعاون مع الشركات المحلية والعالمية، ونجحت في توقيع 74 اتفاقية لإنشاء 85 مركز تعهيد وتعيين 60 ألف متخصص منذ نوفمبر 2022.
ووفقًا للدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أصبح القطاع أحد الركائز الرئيسية للنمو الاقتصادي، مع ارتفاع الصادرات بنسبة 80% إلى 4.3 مليار دولار في 2024، وعدد العاملين يتجاوز 160 ألف وظيفة بنمو 70%.

وتشمل الاستراتيجية تطوير البنية التحتية، مثل إنشاء مراكز تميز عالمية في الذكاء الاصطناعي، كما في مذكرة التفاهم مع مجموعة "كونيكتا" الإسبانية في يناير 2025 لإنشاء أول مركز عالمي للذكاء الاصطناعي التوليدي في مصر.
كما أصدرت الدولة إطارًا تنظيميًا جديدًا لمراكز الاتصال، يحمي الشركات والعملاء، ويسهل الإجراءات.
وهذه الجهود ساهمت في جعل مصر وجهة مفضلة للخدمات عالية القيمة، مثل دعم العملاء، تحليل البيانات، والأمن السيبراني، مع نسبة 80% من القوى العاملة تتقن لغة أجنبية إضافية.
القمة العالمية لصناعة التعهيد في مصر 2025
وأنطلقت القمة العالمية لصناعة التعهيد في القاهرة برعاية الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، ومشاركة الدكتور عمرو طلعت والمهندس أحمد الظاهر، رئيس إيتيدا.
والقمة، التي تمتد إلى 10 نوفمبر، هي الأولى من نوعها في مصر، وتجمع نخبة من الشركات العالمية وخبراء القطاع لمناقشة أحدث الاتجاهات في مراكز الخدمات المشتركة، الدعم الرقمي، والذكاء الاصطناعي.
ومن المتوقع توقيع 50 اتفاقية جديدة مع 50 شركة دولية، لتوسيع الاستثمارات في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وتعكس القمة ثقة المجتمع الدولي في قدرات مصر التنافسية، حيث ستشمل جلسات نقاشية وورش عمل حول التحول الرقمي والشراكات العامة الخاصة.
كما ستبرز قصص نجاح مثل توسع Raya Contact Center إلى 8500 مقعد عبر مصر ودول أخرى، ودخول Xceed في أسواق جديدة.
ووزير الاتصالات، أكد أن القمة رسالة واضحة للعالم بأن مصر تمتلك بنية تحتية قوية تجعلها قادرة على جذب الاستثمارات، مما يدعم أهداف رؤية مصر الرقمية 2030.
الفرص المستقبلية في صناعة التعهيد المصرية
ورغم الإنجازات، تواجه الصناعة تحديات مثل المنافسة الإقليمية من كينيا والمغرب، والحاجة إلى تدريب مستمر على التقنيات الناشئة، ومع ذلك، تفتح الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي (2025-2030) آفاقًا جديدة، مع مبادرات مثل "ديجيتوبيا" لاكتشاف المواهب الرقمية.
وفي النصف الأول من 2025، كانت قطاعات التجزئة، السفر، والتكنولوجيا الأكثر رواجًا في التعاقدات، مما يشير إلى إمكانيات تصديرية هائلة.
ومع انطلاق القمة العالمية، تؤكد مصر التزامها بتحويل صناعة التعهيد إلى محرك اقتصادي رئيسي، يخلق فرص عمل للشباب ويجذب العملة الصعبة.
والنتائج المحققة في 2025، من نمو الصادرات إلى التوسعات الأجنبية، تثبت أن مصر ليست مجرد وجهة، بل شريك استراتيجي في الاقتصاد الرقمي العالمي.
ومع استمرار الجهود الحكومية، من المتوقع أن يصل حجم السوق إلى 6.5 مليار دولار بحلول 2026، مما يعزز من دور مصر كمركز للابتكار الرقمي في الشرق الأوسط وأفريقيا.
