سد كويشا.. هل يشكل السد الإثيوبي الجديد خطرا على مصر؟
في تحرك جديد يعكس استمرار النهج الإثيوبي في توظيف السدود كورقة نفوذ إقليمي واستراتيجي، بدأت أديس أبابا رسميًا إنشاء سد "كويشا" على نهر أومو، بعد أسابيع قليلة فقط من تدشين سد النهضة على النيل الأزرق، في خطوة تعيد الجدل حول الطموحات المائية الإثيوبية وحدود تأثيرها في منطقة القرن الأفريقي.
ورغم أن سد إثيوبيا الجديد لا يقع ضمن حوض النيل، إلا أن توقيت إعلانه وتوصيفه باعتباره ثاني أكبر سد في البلاد بعد النهضة، أثار تساؤلات حول ما إذا كانت إثيوبيا تمضي نحو مرحلة جديدة من التوسع في السيطرة على مواردها المائية بما يتجاوز الأهداف التنموية المعلنة.
سد كويشا الإثيوبي.. مشروع هندسي ضخم
يقع سد كويشا على نهر أومو جنوب إثيوبيا، وهو نهر لا يرتبط بحوض النيل، إذ تتجه مياهه نحو كينيا لتغذية بحيرة توركانا، لكن الرمزية التي يحملها المشروع تتجاوز حدوده الجغرافية، إذ يراه مراقبون جزءا من خطة إثيوبية لتكريس مكانتها كقوة مائية كبرى في شرق أفريقيا.

فقد أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن نسبة إنجاز المشروع بلغت نحو 70%، مؤكدًا أنه عند اكتماله سيكون ثاني أكبر سد في البلاد ومن بين الأكبر في القارة الأفريقية، مضيفا أن السد الذي بدأ كموقع صغير أصبح اليوم "مدينة إنشائية كاملة" بارتفاع يبلغ 128 مترا، معتبراً أن المشروع يرمز إلى "القدرة الوطنية على تحويل الحلم إلى واقع".
إثيوبيا بين أحواض متعددة ونزعات توسعية
من الناحية الهيدرولوجية، تمتلك إثيوبيا تسعة أحواض مائية رئيسية، وفق ما أوضحه الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، مشيرًا إلى أن ثلاثة فقط تتبع حوض النيل.
وقال نور الدين، في منشورا له على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، إن الثلاثة أحواض التي تتبع حوض النيل تتمثل في
- النيل الأزرق بتدفقات سنوية تقدر بـ49 مليار متر مكعب، وقد أقيم عليه سد النهضة بسعة تخزين تصل إلى 74.5 مليار متر مكعب.
- نهر عطبرة الذي تبلغ تدفقاته 12 مليار متر مكعب سنويًا، ويضم سد تاكيزي بسعة 9 مليارات متر مكعب.
- نهر السوباط بتدفقات تقارب 11 مليار متر مكعب، وتخطط أديس أبابا لإقامة سدود إضافية على روافده مستقبلًا.
أما بقية الأحواض - بحسب ما جاء في منشور نور الدين، مثل أومو وجنالي وشيبيلي، فتتجه خارج حدود حوض النيل ولا تصب في الأراضي المصرية أو السودانية، لكنها تمثل في مجموعها شبكة مائية ضخمة تسعى إثيوبيا لاستثمارها إلى أقصى مدى، سواء لتوليد الطاقة أو لدعم الزراعة المحلية أو حتى لتأمين النفوذ الإقليمي عبر "دبلوماسية السدود".
هل يشكل سد كويشا تهديد على مصر؟
ويرى خبراء أن التوسع الإثيوبي في بناء السدود، سواء داخل أو خارج حوض النيل، لا ينفصل عن رغبة سياسية في فرض واقع مائي جديد في المنطقة، يقوم على التحكم في منابع المياه واستخدامها كورقة ضغط استراتيجية.
ويقول الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الري المصري الأسبق، إن نهر أومو الذي يقام عليه سد كويشا ينبع من الهضبة الإثيوبية ويتجه جنوبا نحو كينيا، مؤكدا أنه لا يشكل تهديدا مباشرًا لمصر، لكنه يعكس بوضوح النزعة الإثيوبية لإدارة الأنهار المشتركة بمعزل عن أي تنسيق إقليمي.
وأضاف علام، في منشور له عبر فيس بوك، أن إثيوبيا، حتى مع الدول التي لا تتقاطع معها مائيًا مثل كينيا، لا تتورع عن خلق توترات مائية جديدة، في إشارة إلى تذمّر نيروبي من انخفاض منسوب بحيرة توركانا جراء مشروعات إثيوبيا على نهر أومو.
الأزمة الأصلية “سد النهضة”
ويأتي الإعلان عن سد كويشا بينما لم تهدأ بعد تداعيات افتتاح سد النهضة رسميًا في سبتمبر الماضي، بعد نحو 14 عاما من أعمال الإنشاء، وهو المشروع الذي فجر أزمة ممتدة بين القاهرة وأديس أبابا والخرطوم.
وترى مصر أن إثيوبيا انتهكت مبادئ القانون الدولي التي تنظم الأنهار المشتركة، من خلال المضي في ملء وتشغيل السد من طرف واحد دون اتفاق ملزم، مؤكدة أنها لن تقبل بسياسة فرض الأمر الواقع، وأنها تحتفظ بحقها في اتخاذ الإجراءات التي تصون أمنها المائي ووجودها الحيوي.

ومع تراكم هذه المشاريع المائية، يتجه المشهد في شرق أفريقيا نحو معادلة جديدة من الصراع على الموارد، حيث تسعى إثيوبيا إلى لعب دور "قلب أفريقيا المائي"، بينما تتمسك مصر بحقها التاريخي في مياه النيل كمسألة وجود لا تفاوض فيها، وفي ظل غياب آلية إقليمية فعالة لإدارة الأنهار العابرة للحدود، تبدو المنطقة مقبلة على عقد مائي شديد الحساسية، تتقاطع فيه المياه مع الأمن القومي لدول المصب والمنبع على حد سواء.
