باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
الخميس 23 أكتوبر 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير التنفيذي
أحمد لطفي
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير التنفيذي
أحمد لطفي
تحليل

الدين يزيد 6 مليارات دولار في اليوم.. هل يواجه الاقتصاد الأمريكي «الإفلاس البطيء» بسبب الإغلاق الحكومي؟

الخميس 23/أكتوبر/2025 - 12:47 م
هل يواجه الاقتصاد
هل يواجه الاقتصاد الأمريكي إفلاس بطيء بسبب الإغلاق الحكومي

في عمق العاصمة واشنطن، حيث تصاغ قرارات العالم وتتشابك المصالح الحزبية، تتجلى واحدة من أعنف الأزمات السياسية والاقتصادية التي عرفتها الولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة “الإغلاق الحكومي” الذي يواصل شل مفاصل الدولة يوما بعد يوم، لم يعد مجرد خلاف تشريعي عابر، بل تحول إلى اختبار حقيقي لقدرة النظام الأمريكي على الصمود أمام صراع الإرادات بين الجمهوريين والديمقراطيين.

تخيل ملايين الموظفين الذين يذهبون إلى مقار عملهم دون أمل في الحصول على رواتبهم، ومئات البرامج الحكومية التي توقفت فجأة، من التفتيش الصحي إلى المشاريع البيئية، بينما يتصاعد الدين الوطني تحت ضغوط الفوائد اليومية المتزايدة.

وبعد مرور 22 يومًا على بدء الإغلاق في الأول من أكتوبر، يبدو المشهد الأمريكي وكأنه ساحة مواجهة سياسية مفتوحة لا رابح فيها، حيث يحاول كل طرف تسجيل النقاط لصالحه في معركة الإرادة، ويظل الخاسر الأكبر في هذه المعركة هو الاقتصاد الأمريكي نفسه.

الإغلاق الحكومي: من الخلافات السياسية إلى الشلل الإداري

بدأ الإغلاق الحكومي الأمريكي في الأول من أكتوبر 2025، بعد فشل الكونجرس في تمرير ميزانية تمويل الخدمات الفيدرالية، وهو ما أدى إلى توقف جزئي للعمليات الحكومية في مختلف القطاعات، ومع بلوغه يومه الثاني والعشرين، أصبح هذا الإغلاق ثاني أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، متجاوزًا عدة أرقام قياسية سابقة وسط تصاعد غير مسبوق في التوترات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

تعود جذور الأزمة إلى الخلاف العميق بين الجمهوريين، الذين يسيطرون على البيت الأبيض برئاسة دونالد ترامب، والديمقراطيين في الكونجرس، فقد رفض ترامب عقد أي اجتماعات مع قادة الديمقراطيين حتى يعاد فتح الحكومة بشكل كامل، بينما تمسك الديمقراطيون بمطلب تمديد دعم الرعاية الصحية ضمن قانون "أوباما كير" كشرط أساسي لأي اتفاق تمويلي.

هل يواجه الاقتصاد الأمريكي «الإفلاس البطيء» بسبب الإغلاق الحكومي؟

فشل مجلس الشيوخ في 11 تصويتا 

وفي خضم هذا الاستقطاب الحاد، فشل مجلس الشيوخ في 11 تصويتا متتاليا حتى 20 أكتوبر، كان آخرها بنتيجة 50 مقابل 43 صوتا ضد مشروع قانون تمويل مؤقت، وهذا الانسداد السياسي يأتي في لحظة بالغة الحساسية، خاصة بعد أن تم رفع سقف الدين الوطني في يوليو 2025 إلى 41.1 تريليون دولار لتجنب أزمة مالية أوسع نطاقًا.

المفاوضات توقفت فعليا، لكن بعض التحركات الجزئية بدأت تلوح في الأفق، مثل عرض إدارة ترامب حزمة دعم زراعي بقيمة 3 مليارات دولار رغم استمرار الإغلاق، إلا أن غياب اتفاق شامل حتى الآن يبقي المشهد مفتوحا على مزيد من التعقيد، مع استمرار تعطل الخدمات الحيوية، من الرقابة الصحية إلى المشروعات البيئية والاجتماعية.

كيف تأثر الاقتصاد بالإغلاق الحكومي الأمريكي؟

الإغلاق الحكومي الأمريكي ليس مجرد تجميد إداري للأنشطة الرسمية، بل هو نزيف اقتصادي متواصل يضرب البنية الإنتاجية والاستهلاكية في عمقها.

وتشير الدراسات الاقتصادية الحديثة إلى أن كل أسبوع من الإغلاق يقلل من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.1 إلى 0.2 نقطة مئوية، ما يعني أن استمرار الأزمة لشهور سيترجم إلى خسائر تقدر بمئات المليارات من الدولارات.

في الإغلاقات السابقة، كانت الأضرار محدودة وقابلة للتعويض بعد إعادة فتح المؤسسات، لكن الإغلاق الحالي – الذي يدخل أسبوعه الرابع – يعد مختلفا جذريا، إذ يحمل معه مخاطر حقيقية لتباطؤ اقتصادي واسع النطاق قد يمتد إلى قطاعات حساسة كالتوظيف والاستهلاك والاستثمار.

هل يواجه الاقتصاد الأمريكي «الإفلاس البطيء» بسبب الإغلاق الحكومي؟

أولاً: الموظفون الفيدراليون في قلب الأزمة

نحو 800 ألف موظف حكومي باتوا بين خيارين أحلاهما مر، إما العمل دون رواتب، أو الخضوع لإجازات إجبارية مفتوحة، وهذا التوقف المفروض لا يضر فقط بقدرتهم على الإنفاق، بل يمتد أثره إلى الأسواق المحلية في العاصمة واشنطن والمدن الفيدرالية الكبرى، حيث تشهد الأنشطة التجارية انكماشا في الطلب وتراجعا في الدورة الشرائية.

ثانيًا: الشركات المتعاقدة مع الحكومة

يتضرر المقاولون والموردون بشكل مباشر، إذ فقدت الشركات الخاصة عقودًا بمليارات الدولارات دون أي تعويض لاحق كما هو الحال مع الموظفين الرسميين، حيث تشير البيانات الرسمية إلى أن مكتب إدارة الميزانية أوقف مشروعات بقيمة 11 مليار دولار، فيما تزداد المخاوف من انقطاع المساعدات الغذائية المقدمة لـ42 مليون مواطن أمريكي في حال استمرار الأزمة.

ثالثًا: تعطّل البرامج التقديرية والخدمية

البرامج التقديرية مثل تمويل المطارات، ودعم السياحة، والمشروعات الصغيرة، دخلت بدورها دائرة التجميد، مما أدى إلى تأخيرات في الرحلات الجوية، وخسائر في قطاعات النقل والخدمات، وتراجع في التمويل الموجه للأعمال الصغيرة، حيث تؤكد غرفة التجارة الأمريكية أن الإغلاق بدأ بالفعل يؤثر على الثقة العامة في بيئة الأعمال ويُحدث تداعيات متسلسلة في المجتمعات المحلية.

هل يواجه الاقتصاد الأمريكي «الإفلاس البطيء» بسبب الإغلاق الحكومي؟

رابعًا: تآكل الثقة وتراجع الإنفاق

أدت الأزمة إلى انخفاض ملموس في الثقة الاستهلاكية، انعكس بدوره على تباطؤ الإنفاق العام والخاص، بينما تواجه الأسواق المالية ضغوطًا متزايدة نتيجة الغموض السياسي المستمر. 

كما تأثرت ميزانيات الولايات المختلفة بالركود في البرامج المشتركة مع الحكومة الفيدرالية، خصوصًا في مجالي الرعاية الصحية والتعليم، فيما ظلت البرامج الإلزامية مثل الضمان الاجتماعي تعمل بوتيرة محدودة.

خامسًا: تصاعد الدين الوطني وكلفة الفوائد

على المدى الأوسع، يفاقم الإغلاق من الضغط المتصاعد على الدين الوطني الأمريكي الذي بلغ نحو 38 تريليون دولار حتى منتصف أكتوبر، أي ما يعادل أكثر من 124% من الناتج المحلي الإجمالي، مع زيادة يومية تقارب 6 مليارات دولار، وتجاوزت فوائد الدين السنوية 1.2 تريليون دولار، ما يجعل الاقتراض أكثر كلفة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، وإذا طال أمد الإغلاق، قد يؤدي إلى تأخر في تحصيل الإيرادات الضريبية وتوسع العجز المالي، وهو ما يعمق جذور الأزمة على المدى الطويل.

ما الذي ينتظر الاقتصاد الأمريكي؟

بينما يستمر الشلل الحكومي في شق طريقه بلا أفق واضح للحل، تتزايد المخاوف من انعكاسات طويلة الأمد قد تترك بصمتها على الاقتصاد الأمريكي لعقود، فغياب الاتفاق بين الحزبين لا يهدد فقط استمرار التمويل العام، بل يضرب الثقة العالمية في استقرار النظام المالي الأمريكي، ويضعف قدرة واشنطن على قيادة الاقتصاد الدولي.

تاريخيا، كانت مثل هذه الإغلاقات تنتهي بتسويات مؤقتة تحافظ على ماء الوجه للطرفين، لكن حدة الخلافات الراهنة حول أولويات الإنفاق – خصوصًا الدفاع والمساعدات الخارجية – تجعل الوصول إلى حل وسط أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.

هل يواجه الاقتصاد الأمريكي «الإفلاس البطيء» بسبب الإغلاق الحكومي؟

ويرى خبراء الاقتصاد أن إغلاقًا طويل الأمد قد يقود إلى ما يمكن وصفه بـ«الإفلاس البطيء» للاقتصاد الأمريكي، إذ تتراكم الالتزامات دون مقابل إنتاجي فعلي، ومع استمرار الدين في الارتفاع، واستنزاف الاحتياطيات الفيدرالية، يصبح كل يوم جديد في الإغلاق عبئا إضافيا على دافعي الضرائب والمستثمرين والمستهلكين على حد سواء.

في نهاية المطاف، تبدو التسوية السياسية السريعة الخيار الوحيد لإنقاذ الموقف قبل أن يتحول الشلل الإداري إلى أزمة مالية ممتدة، فكما يقول الاقتصاديون، الاقتصاد كالجسد الحي، يمكنه تحمل الألم لفترة، لكنه لا يحتمل الشلل إلى الأبد.