الأربعاء 30 يوليو 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير
عمرو عامر
تحليل

ورقة استراتيجية.. هل يمكن استخدام الغاز القبرصي في دعم النقص بالطلب المحلي في مصر؟

الثلاثاء 29/يوليو/2025 - 10:08 م
هل يمكن استخدام الغاز
هل يمكن استخدام الغاز القبرصي في دعم النقص بالطلب المحلي

تعيد مصر رسم خريطة الطاقة عبر تحركات إقليمية مدروسة، تتزامن مع تحديات متصاعدة في هذا الملف، أبرزها انخفاض الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي، وتزايد الاستهلاك الداخلي، خصوصًا من قطاع الكهرباء. 

وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، اتجهت الدولة إلى تنويع مصادر الإمداد، من خلال استراتيجية تعتمد على الشراكات الإقليمية، واستغلال البنية التحتية المتاحة، وهو ما بدا واضحا في الانفتاح الأخير على الغاز القبرصي.

فمنذ أبريل 2024، بدأت مصر في استيراد شحنات من الغاز الطبيعي المسال، كحل مباشر لمواجهة الطلب المتزايد وتقليل انقطاعات الكهرباء خلال فصل الصيف، ومع بداية العام الجاري، اتخذت الحكومة خطوة إضافية أكثر عمقا، تمثلت في استئجار أربع وحدات عائمة لإعادة تحويل الغاز المسال إلى حالته الغازية، وضخه مباشرة في الشبكة القومية للغاز.

تفاصيل صفقة استيراد الغاز من قبرص

في هذا السياق، اتجهت مصر لتعزيز التعاون مع الجانب القبرصي، ضمن مسار استراتيجي يستهدف استيراد الغاز المستخرج من الحقول القبرصية، وتسييله في المحطات المصرية، سواء بهدف إعادة تصديره للأسواق الأوروبية، أو لتغطية جزء من الطلب المحلي المتزايد، بحسب ما كشفه مسؤول مصري مطلع.

وبحسب المصدر، بدأت الجهات المصرية المختصة بالفعل في التفاوض مع الحكومة القبرصية، والشركات العاملة في التنقيب، لتحديد حصة مصر من الغاز الذي سيتم نقله إلى محطات الإسالة المحلية، تمهيدا لضخه في الشبكة القومية، لافتا إلى أن المفاوضات تتناول النسبة المخصصة لمصر ضمن هذه التوليفة الإقليمية.

هل يمكن استخدام الغاز القبرصي في دعم النقص بالطلب المحلي في مصر؟

مصر تتحول لمركز إقليمي للطاقة

التحركات المصرية تأتي في ظل رؤية شاملة لتحويل البلاد إلى مركز إقليمي لتجارة وتسييل الغاز، عبر الاستفادة من الإمكانات اللوجستية والتقنية التي توفرها محطات الإسالة والبنية التحتية الممتدة على ساحل المتوسط، ويعزز هذه الرؤية التفاهم الثلاثي بين مصر وقبرص وشركات عالمية كبرى، بشأن تطوير أحد أكبر الحقول المكتشفة في شرق المتوسط، والذي تقدر احتياطاته بأكثر من 3 تريليونات قدم مكعبة من الغاز.

وتخطط الجهات المعنية لربط هذا الحقل بالبنية التحتية المصرية عبر خط بطول 70 كيلومترًا، لنقل الغاز إلى محطات المعالجة ثم إلى مصنع دمياط للإسالة، ليتم تصديره لاحقًا، ما يمنح مصر قوة تفاوضية وقدرة على التحكم في مسارات التجارة الغازية في الإقليم.

وبينما تسير خطط الاستثمار في البنية التحتية القبرصية بوتيرة أبطأ بسبب التكلفة والوقت، توفر مصر بدلا فوريا فعالا يتيح تشغيل الحقول القبرصية دون انتظار سنوات لبناء منشآت جديدة، ما يجعل التعاون المصري القبرصي نموذجا للتكامل الإقليمي في مجال الطاقة.

الغاز القبرصي يمثل عمقا استراتيجيا لمصر

في تعليق تحليلي على أبعاد الاتفاق المصري القبرصي، أكد وزير البترول الأسبق المهندس أسامة كمال، أن الغاز القبرصي لا يمثل مجرد مورد إضافي للطاقة، بل يعد عمقا استراتيجيا لمصر، في ظل تنامي الحاجة إلى تنويع مصادر الإمداد وتخفيف الضغط على الإنتاج المحلي.

وأشار إلى أن البنية التحتية المصرية تمنحها أفضلية واضحة في ملف التسييل، باعتبار أن جميع محطات الإسالة والشبكات تقع داخل الأراضي المصرية، ما يتيح للدولة أن تفاوض من موقع قوة، سواء بشأن كميات الغاز أو أسعار الشراء، خاصة إذا كانت هناك رغبة متبادلة بين الطرفين.

وأضاف: "إذا تم الاتفاق على شراء الغاز القبرصي بعد تسييله داخل مصر، فإن الأفضلية ستكون لمصر بطبيعة الحال، نظرا لامتلاكها البنية والموقع والخبرة"، مؤكدا أن ما يهم قبرص بالأساس هو بيع الغاز بسعر مناسب، وفي حال قدمت مصر عرضا تنافسيا، فستكون هي المستفيد الأكبر.

هل يمكن استخدام الغاز القبرصي في دعم النقص بالطلب المحلي في مصر؟

المصالح المشتركة “كلمة السر”

وتابع كمال بأن التجربة الحالية مع الغاز الإسرائيلي تعد دليلا على نجاح هذه الاستراتيجية، حيث تستورد مصر نحو مليار قدم مكعب يوميا من الغاز، وتعيد ضخه عبر شبكتها القومية، بفضل اتفاقيات قائمة على التوافق في الأسعار والمصلحة المشتركة.

وأوضح أن هذه القاعدة تسري على كافة دول الجوار، بما فيها قبرص واليونان، مشيرًا إلى أن تكلفة بناء محطات إسالة جديدة أو بنى تحتية للتصدير في هذه الدول باهظة للغاية، وتحتاج إلى سنوات من التنفيذ، بينما تمتلك مصر الحل الجاهز والأقل تكلفة.

وسأل كمال: "هل هناك شريك استراتيجي أهم من مصر في هذه المنظومة؟.. لا أعتقد، فمصر تظل هي الخيار الأذكى والأسرع لجميع الأطراف، ما دامت معادلة التسعير عادلة".

واختتم كمال تحليله بالتأكيد على أن التسعير هو العامل الفاصل في إنجاح أي صفقة غاز، موضحا أن مصر تدير الملف بعقلانية ومرونة، دون الإخلال بمصالحها الاقتصادية، وفي حال توافق الأسعار مع قدرات الدولة، فإن اتفاقات الاستيراد ستبرم دون عوائق.

هل يمكن استخدام الغاز القبرصي في دعم النقص بالطلب المحلي في مصر؟

الغاز القبرصي.. أداة استراتيجية أم مصدر للطاقة؟

في ضوء ما سبق، يبدو أن الغاز القبرصي لا يمثل فقط شحنة غاز محتملة، بل ورقة استراتيجية بيد الدولة المصرية، يمكن أن تستخدم لتعزيز الأمن الطاقي المحلي، وتوسيع النفوذ الإقليمي في سوق الطاقة، ومع توافر البنية التحتية والتاريخ التعاوني العميق مع قبرص، يبقى السؤال الأساسي: هل تنجح مصر في تحويل هذا التعاون إلى أداة فاعلة لدعم السوق المحلي، أم سيظل محصورا في إطار التصدير؟.

الإجابة مرهونة بسيناريوهات التسعير والتفاوض، لكن المؤكد أن مصر تتحرك في هذا الملف برؤية واضحة، وبأدوات جاهزة، وشبكة تحالفات تمنحها موقع الصدارة في معادلة غاز شرق المتوسط.