تجارة الخردة في مصر.. كنز وطني استثماراته تتجاوز 100 مليار جنيه سنويًا

تعد تجارة الخردة في مصر واحدة من أبرز الأنشطة الاقتصادية التي تحقق أرباحًا هائلة، رغم عملها في إطار الاقتصاد غير الرسمي، حيث يطلق على هذه التجارة لقب "الفرخة التي تبيض ذهبًا"، حيث تقدر استثماراتها بأكثر من 100 مليار جنيه سنويًا.
ويصل إنتاج مصر من الخردة إلى حوالي 150 ألف طن سنويًا، وفقًا لتقديرات غير رسمية من الغرف التجارية والهيئات المحلية.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض واقع تجارة الخردة في مصر، أهميتها الاقتصادية، التحديات التي تواجهها، ودورها في دعم الصناعات المحلية والبيئة.
حجم سوق الخردة في مصر
وتشكل تجارة الخردة في مصر جزءًا حيويًا من الاقتصاد، حيث تعتمد عليها العديد من الصناعات مثل مصانع الصلب والأسمنت كمصدر أساسي للمواد الخام، في حين يقدر حجم الاستثمارات في هذا القطاع بحوالي 30 مليار جنيه في عام 2016، لكنه ارتفع بشكل ملحوظ بحلول 2024 ليتجاوز 100 مليار جنيه بسبب زيادة الطلب على المعادن المعاد تدويرها.
ويتركز هذا النشاط بشكل رئيسي في مناطق مثل السبتية، عزبة أبو حشيش، ميت حلفا بالقليوبية، والمنشية، حيث تتجمع مئات المخازن التي تتاجر بالحديد، النحاس، الألمنيوم، والبلاستيك.
وتعتبر تجارة الخردة فرصة استثمارية ذهبية بسبب انخفاض رأس المال المطلوب وقلة المخاطر، حيث يمكن للأفراد بدء هذا المشروع بشراء المخلفات المعدنية من الباعة الجائلين أو المزادات، ثم إعادة تدويرها أو بيعها للمصانع.
وتشير دراسة من جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى أن مشروع تجارة الخردة يمكن أن يحقق أرباحًا صافية تصل إلى 280 ألف جنيه في العام الأول، وتتضاعف إلى 410 آلاف جنيه بحلول العام الخامس.
أنواع الخردة وأسعارها
وتتنوع الخردة المتداولة في السوق المصري بين المعادن (الحديد، النحاس، الألمنيوم، الرصاص) والبلاستيك والور، في حين تتأثر أسعارها بعوامل مثل العرض والطلب، جودة المادة، وتكاليف النقل والتخزين، وفي عام 2024، سجلت الأسعار التالية:
- الحديد الخردة: يتراوح سعر الكيلو بين 15 و18 جنيهًا، وسعر الطن بين 15,000 و18,000 جنيه.
- النحاس الخردة: يصل سعر الكيلو إلى 250-350 جنيهًا حسب نوعه (أصفر، أحمر لامع، أحمر خشن).
- الألمنيوم الخردة: يتراوح بين 20 و25 جنيهًا للكيلو.
- البلاستيك الخردة: يعتبر مصدرًا اقتصاديًا مهمًا، خاصة مع استخدامه في العديد من الصناعات.

الاقتصاد غير الرسمي والتحايل على القوانين
ورغم الأرباح الهائلة، تواجه تجارة الخردة تحديات كبيرة، أبرزها هو عملها في إطار الاقتصاد غير الرسمي، مما يعني غياب الرقابة الحكومية وقلة الضرائب والتأمينات المدفوعة.
وتشير دراسات إلى أن الاقتصاد غير الرسمي يكلف مصر حوالي 400 مليار جنيه سنويًا، ويشكل 53% من حجم الاقتصاد الوطني.
كما تتهم بعض الشركات والتجار بالتحايل على القرار الحكومي رقم 696 لعام 2012، الذي يفرض رسوم تصدير على الخردة (8,000 جنيه للطن على النحاس، 3,000 جنيه على الرصاص، و650 جنيهًا على الحديد).
ويتم ذلك من خلال صب الخردة في قوالب أو تشكيلها كمنتجات نهائية، مثل تماثيل فرعونية، لتجنب الرسوم الجمركية، وهذا التحايل يفاقم أزمة نقص الخردة في السوق المحلي، مما يؤثر على المصانع التي تعتمد عليها كمادة خام.
دور الخردة في دعم البيئة والصناعة
وتساهم تجارة الخردة في حماية البيئة من خلال إعادة تدوير المخلفات، مما يقلل من التلوث ويخفف الضغط على مكبات النفايات.
وعلى سبيل المثال، إعادة تدوير النحاس توفر 90% من الطاقة وتقلل الانبعاثات الكربونية بنسبة 65% مقارنة بالاستخراج المباشر، كما تعتبر الخردة مصدرًا حيويًا للصناعات المعدنية، حيث تعتمد 80% من هذه الصناعات على الخردة كمادة خام أساسية.
ومن الأمثلة البارزة على الاستثمار في هذا القطاع، مشروع تخريد السفن الذي يعد الأول من نوعه في مصر، والذي يهدف إلى إنتاج 1.5 مليون طن خردة سنويًا، أي ما يعادل 100% من إنتاج مصر الحالي، وهذا المشروع يظهر الإمكانات الهائلة لتطوير هذا القطاع.
تنظيم القطاع لتحقيق الاستفادة القصوى
وللاستفادة من تجارة الخردة بشكل مستدام، يطالب الخبراء بإنشاء وحدة تجارية تابعة لوزارة التجارة والصناعة لمراقبة السوق وتنظيم عمليات التصدير والاستيراد.
كما يوصى بتقنين أوضاع التجار من خلال تشريعات تسهل دمجهم في الاقتصاد الرسمي، مع توفير حوافز ضريبية لتشجيع إعادة التدوير.
وبالإضافة إلى ذلك، يشدد على أهمية مكافحة سرقة الخردة، التي تكلف الاقتصاد خسائر كبيرة، حيث تشير تقارير إلى ضبط كميات مسروقة مثل كابلات كهربائية ومهمات سكك حديدية.
وتمثل تجارة الخردة في مصر كنزًا اقتصاديًا يمكن أن يدعم الاقتصاد الوطني ويعزز الاستدامة البيئية، ولكن غياب التنظيم والرقابة يحد من استغلالها الأمثل، ومع تزايد الطلب العالمي على المواد المعاد تدويرها، تظل مصر أمام فرصة ذهبية لتطوير هذا القطاع، شريطة وضع سياسات فعالة لتنظيمه ودعمه.