صناعة القطارات في مصر.. رحلة التوطين بسواعد المصريين

تعد صناعة القطارات في مصر من القطاعات الحيوية التي تشهد طفرة غير مسبوقة، مدعومة برؤية استراتيجية تهدف إلى توطين الصناعة، تقليل الاعتماد على الاستيراد، وتحويل مصر إلى مركز إقليمي لإنتاج الوحدات المتحركة.
وفي ظل استثمارات ضخمة وشراكات عالمية، تسعى مصر لتعزيز بنيتها التحتية للسكك الحديدية، وهي ثاني أقدم شبكة في العالم، والمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني عبر خلق فرص عمل وتصدير المنتجات إلى الأسواق الإقليمية.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض الطفرة في صناعة القطارات في مصر.
تاريخ صناعة القطارات في مصر
وبدأت رحلة السكك الحديدية في مصر عام 1834، مما جعلها واحدة من أوائل الدول عالميًا التي اعتمدت هذا النظام، ومنذ ذلك الحين، تطورت الشبكة لتصل إلى 9570 كيلومترًا، تخدم 23 محافظة وتنقل حوالي 500 مليون راكب سنويًا.
ومصنع سيماف (مهمات السكك الحديدية)، الذي تأسس عام 1955 في حلوان، يعد ركيزة أساسية في هذا القطاع، حيث بدأ بتصنيع عربات الركاب والبضائع، ثم توسع ليشمل عربات مترو الأنفاق عام 1988.
جهود توطين الصناعة
ومنذ عام 2020، اتخذت مصر خطوات جادة لتوطين صناعة القطارات، مدفوعة بتوجيهات القيادة السياسية لتعميق التصنيع المحلي وتقليل فاتورة الاستيراد، وأبرز هذه الجهود تجسدت في إنشاء الشركة الوطنية المصرية لصناعات السكك الحديدية (نيرك) عام 2021، بالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، بهدف تصنيع القطارات بجميع أنواعها محليًا.
- مصنع سيماف: بعد تطويره، أصبح قادرًا على إنتاج 1000 عربة سنويًا، بما في ذلك 10 قطارات مترو أنفاق بمكون محلي يصل إلى 80%، كما وقعت سيماف اتفاقيات مع شركة أفيك الصينية لتجميع قطارات القاهرة الكهربائية الخفيفة (LRT) محليًا.
- مدينة ألستوم الصناعية: في مارس 2025، بدأ إنشاء مجمع صناعي ضخم في الإسكندرية على مساحة 40 فدانًا بالتعاون مع شركة ألستوم الفرنسية، ويضم المجمع مصنعين، أحدهما لإنتاج قطارات المترو، الترام، والقطارات السريعة، والآخر لتصنيع مكونات السكك الحديدية.
- مصنع كولواي: في مارس 2025، دشن أول مصنع لشركة كولواي الإسبانية في أفريقيا بكوم أبو راضي ببني سويف، لإنتاج المكونات الداخلية للقطارات، مما يعزز نسبة المكون المحلي.
- شراكة تالجو الإسبانية: وقعت مصر عقودًا مع تالجو لتصنيع 7 قطارات نوم فاخرة و500 عربة ركاب متنوعة، مع خطط لإنشاء مصنع في كوم أبو راضي لإنتاج 1000 عربة بتكنولوجيا تالجو.

القطارات الكهربائية
ويعد مشروع القطار الكهربائي السريع (حابي) من أبرز المشروعات التي تعكس طموح مصر في تطوير النقل النظيف، حيث يتضمن المشروع أربعة خطوط بطول إجمالي 2000 كيلومتر، تربط مدنًا مثل العين السخنة بمرسى مطروح، والسادس من أكتوبر بأبو سمبل.
والخط الأخضر، الذي بدأ تشغيله جزئيًا في 2024، يعتمد على 15 قطارًا سريعًا بسرعة 230 كم/س، ويُنفذ بالتعاون مع سيمنز الألمانية والمقاولون العرب وأوراسكوم.
وكذلك يربط القطار الكهربائي الخفيف (LRT) المدن الجديدة شرق القاهرة، حيث افتتحت المرحلة الأولى في يوليو 2022، ويُدار تحت إشراف الهيئة القومية للأنفاق.
آفاق المستقبل
رغم التقدم، تواجه الصناعة تحديات مثل الحاجة إلى تكنولوجيا متقدمة وتمويل ضخم للتصدير إلى أسواق أفريقيا وأوروبا، في حين الخبراء يرون أن المنافسة العالمية تتطلب تطوير نظم إشارات متكاملة وتحسين البنية التحتية.
ومع ذلك، تظل مصر في وضع قوي بفضل موقعها الاستراتيجي وشراكاتها مع شركات عالمية مثل سيمنز، ألستوم، وهيونداي روتيم.
تأثير الصناعة على الاقتصاد
وتساهم صناعة القطارات في توفير العملة الصعبة، خلق آلاف فرص العمل، وتعزيز التصدير إلى الأسواق الإقليمية.
ومشروع نيرك يستهدف إنتاج أكثر من 1000 وحدة متحركة خلال العقد القادم، مما يعزز قدرة مصر على تلبية الطلب المحلي والإقليمي، كما يعزز شعار "صنع في مصر" الصورة الذهنية للمنتجات المحلية.
وتظهر صناعة القطارات في مصر نموذجًا طموحًا للتحول الصناعي، حيث تجمع بين التكنولوجيا العالمية والخبرات المحلية، ومع استمرار الاستثمارات وتوسع المصانع، تستعد مصر لتصبح مركزًا إقليميًا لصناعة السكك الحديدية، محققة نقلة نوعية في النقل والاقتصاد.