رسائل طمأنة من المركزي.. أرقام جديدة تكشف مسار الاقتصاد المصري.. ودين خارجي مازال تحت السيطرة
أصدر البنك المركزي المصري تقريره الدوري حول الوضع الخارجي للاقتصاد المصري للعام المالي 2024-2025، والذي يقدم صورة دقيقة للتطورات المتعلقة بميزان المدفوعات وموارد النقد الأجنبي والدين الخارجي.
وبينما أظهرت المؤشرات وجود ضغوط ناتجة عن اضطرابات التجارة العالمية وتغيرات أسعار الصرف، فإن التقرير كشف في المقابل عن تحسن تدريجي في عدد من مكونات التعاملات الخارجية، خاصة خلال النصف الثاني من العام.
ميزان المدفوعات.. عجز محدود وتحسن في النصف الثاني
سجّل ميزان المدفوعات عجزًا كليًا قدره 2.1 مليار دولار خلال السنة المالية 2024-2025، مقارنة بفائض كبير بلغ 9.7 مليار دولار في العام السابق، وهو العام الذي استفاد من تدفقات استثنائية مرة واحدة.
ورغم هذا التحول، فقد شهد النصف الثاني من العام (يناير–يونيو 2025) تحسنًا ملحوظًا، نتيجة ارتفاع الموارد المستقرة مثل تحويلات العاملين ونمو إيرادات الخدمات.

الحساب الجاري.. تراجع العجز بفضل التحويلات والخدمات
شهد الحساب الجاري تحسنًا مهمًا، حيث تراجع العجز بنسبة 25.9% ليصل إلى 15.4 مليار دولار مقابل 20.8 مليار دولار في العام السابق. وجاء هذا التحسن مدفوعًا بعدة عوامل رئيسية:
1. تحويلات العاملين بالخارج.. قفزة كبيرة
ارتفعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 66.2% لتصل إلى 36.5 مليار دولار، لتصبح العامل الأكبر في دعم الحساب الجاري وتقليص العجز.
2. ارتفاع فائض الميزان الخدمي
حقق الميزان الخدمي فائضًا قدره 15.1 مليار دولار بزيادة 5.4%، بدعم من:
إيرادات السياحة التي ارتفعت 16.3% لتصل إلى 16.7 مليار دولار نتيجة زيادة عدد الليالي السياحية والوافدين.
انخفاض إيرادات قناة السويس بنسبة 45.5% إلى 3.6 مليار دولار فقط بسبب اضطرابات البحر الأحمر وتحويل مسارات الشحن العالمية.
3. اتساع العجز التجاري السلعي
ارتفع العجز التجاري إلى 51 مليار دولار بزيادة 28.9%، نتيجة ارتفاع الواردات بنسبة 26.5% مقابل نمو الصادرات بـ23.5%. وهو ما شكل ضغطًا مضادًا على التحسن في بقية بنود الحساب الجاري.
حساب المعاملات المالية ورأس المال.. تدفقات إيجابية ولكن أقل من العام السابق
سجل حساب المعاملات الرأسمالية والمالية صافي تدفقات بقيمة 10.2 مليار دولار، مقارنة بـ 29.9 مليار دولار خلال عام الصفقة الاستثنائية (رأس الحكمة).

وتوزع أداء التدفقات على النحو الآتي:
الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI): بلغ 12.2 مليار دولار، ما يعكس استمرار اهتمام المستثمرين بالقطاعات الإنتاجية.
استثمارات المحافظ المالية: سجلت تدفقات صافية قدرها 1.6 مليار دولار، بدعم من استقرار سعر الصرف وتحسن الثقة تدريجيًا.
الاحتياطيات الدولية والسيولة الخارجية.. استمرار الارتفاع
ارتفع صافي الاحتياطيات الدولية بمقدار 2.3 مليار دولار ليصل إلى 48.7 مليار دولار بنهاية يونيو 2025، بما يغطي 6.4 شهر من الواردات.
كما ارتفع صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك بمقدار 2.1 مليار دولار، ما يعكس تحسنًا نسبيًا في قدرة القطاع المصرفي على توفير عملة صعبة.
الدين الخارجي والمركز المالي الدولي.. مستويات قابلة للإدارة
بلغ إجمالي الدين الخارجي 161.2 مليار دولار بنهاية يونيو 2025، بزيادة 5.5% عن العام السابق، إلا أن هيكل الدين لا يزال في مستويات "قابلة للإدارة" بحسب التقرير.
وأشار المركزي إلى:
نسبة الدين إلى الناتج المحلي بلغت 44.2%.
80.8 % من الدين طويل الأجل ما يقلل مخاطر السداد السريع.
ارتفاع صافي المطلوبات الخارجية (NIIP) إلى 293.6 مليار دولار مقارنة بـ281.6 مليار دولار العام الماضي، وهو مؤشر يحتاج مراقبة خلال الفترة المقبلة.
من هم أبرز الدائنين لمصر؟
استنادًا إلى هيكل الدين الخارجي، جاءت الجهات والدول الدائنة على النحو التالي:
أكبر 3 جهات دائنة لمصر (كمجموعات):
المؤسسات متعددة الأطراف — 27.78%
مثل صندوق النقد والبنك الدولي.
الديون قصيرة الأجل — 19.17%
السندات والأذون الدولية — 17.83%
أبرز الدول الدائنة بشكل منفرد:
الصين — 4.23% (أكبر دولة دائنة منفردة)
الإمارات — 3.52%
روسيا — 3.18%
توزيع هذا الهيكل يعكس اعتمادًا أكبر على المؤسسات الدولية مقابل تراجع وزن الديون الثنائية التقليدية.
وتكشف بيانات الوضع الخارجي أن الاقتصاد المصري يمر بمرحلة انتقالية من الضغوط إلى التعافي التدريجي ورغم اتساع العجز التجاري وتراجع إيرادات قناة السويس، فإن قوة تحويلات المصريين، وارتفاع الاحتياطيات، وتحسن الاستثمار الأجنبي، أسهمت في تقليص الضغوط ودعم الاستقرار.
ويوضح التقرير أن الفترة المقبلة تعتمد بشكل رئيسي على:
استمرار تحسن إيرادات الخدمات (السياحة وقناة السويس).
ضبط الواردات وتشجيع الصادرات.
الحفاظ على تدفقات الاستثمار الأجنبي.
إدارة الدين الخارجي بكفاءة وتوسيع آجاله.

