السبت 06 ديسمبر 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير التنفيذي
أحمد لطفي
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير التنفيذي
أحمد لطفي
اقتصاد مصر

من الحرق إلى الصناعة.. كيف صنعت مصر قيمة اقتصادية من قش الأرز؟

السبت 06/ديسمبر/2025 - 12:08 م
كيف صنعت مصر قيمة
كيف صنعت مصر قيمة اقتصادية من قش الأرز

تحولت مصر خلال السنوات الأخيرة إلى نموذج حي لتطبيق مفهوم الاقتصاد الأخضر، حيث نجحت في تحويل قش الأرز من عبء بيئي مزمن كان يسبب السحابة السوداء ويهدد الصحة العامة، إلى مورد اقتصادي يخلق فرص عمل ويولد قيمة مضافة للفلاحين والدولة على حد سواء.

فمع انتهاء موسم حصاد الأرز لعام 2025، برزت نتائج منظومة جمع وتدوير قش الأرز كأحد أهم المشروعات التي مزجت بين حماية البيئة وتعزيز عوائد التنمية الريفية، لتصبح شاهدًا على نجاح السياسات الزراعية المستحدثة وتعاون الجهات الحكومية في تحويل المخاطر البيئية إلى أصول إنتاجية.

كيف تحول قش الأرز في مصر لفرصة اقتصادية؟

ظل قش الأرز لسنوات طويلة أحد أكثر المخلفات الزراعية إشكالية، خاصة مع ارتفاع حجم المتبقيات إلى ما بين 40 و45 مليون طن سنويا، كانت ملايين الأطنان من قش الأرز تشكل الحصة الأكبر منها، وبسبب الحرق الميداني التقليدي، انتشرت السحابة السوداء في سماء الدلتا والقاهرة، مخلفة تلوثا حادا في الهواء وأعباء صحية واقتصادية ضخمة، إلى جانب الإضرار بالتربة وانبعاث غازات دفيئة تزيد من حدة التغير المناخي، هذا المشهد تغيّر جذريا بعد التحول نحو التدوير والاستفادة الإنتاجية من تلك المخلفات، ليصبح القش مصدر دخل واستثمار.

من الحرق إلى الصناعة.. كيف صنعت مصر قيمة اقتصادية من قش الأرز؟

الانطلاقة الرسمية لمنظومة جمع قش الأرز

بدأ تطبيق المنظومة الرسمية لجمع قش الأرز عام 2018، من خلال برنامج تعاون بين وزارة الزراعة ووزارة البيئة، بهدف ضبط الحرق وتحويل المتبقيات إلى موارد إنتاجية، ومع توسع المنظومة خلال 2025، شملت 7 محافظات رئيسية في الدلتا: الغربية، الشرقية، الدقهلية، القليوبية، كفر الشيخ، البحيرة، ودمياط.

وقامت الحكومة بإنشاء 655 نقطة تجميع موزعة بعناية لتخدم أكبر عدد من الحيازات الزراعية، مع توفير ماكينات الحصاد والكبس والنقل بأسعار مدعومة، كما شهدت المناطق الزراعية تنظيم 2319 ندوة إرشادية لرفع مستوى الوعي بين المزارعين، ما أسهم في ترسيخ ثقافة الاستفادة الاقتصادية من القش، وتحويله من مجرد مخلفات إلى سلعة ذات قيمة.

من الحقل للصناعة.. كيف تعمل منظومة جمع قش الأرز؟

تقوم منظومة جمع قش الأرز وإعادة تدويره على دورة إنتاجية متكاملة تبدأ بجمع القش ميدانيا باستخدام مكابس هيدروليكية لتحويله إلى بالات منظمة، ثم نقله إلى نقاط التجميع، وهناك تبدأ مرحلة إعادة التدوير، سواء بتحويله إلى سماد عضوي من خلال التحلل الهوائي، أو دمجه في صناعات الأعلاف، أو استخدامه في إنتاج الطاقة الحيوية، بالإضافة إلى توظيفه في صناعات الورق والألواح الخشبية.

وخلال موسم 2025، جرى جمع 2.6 مليون طن من قش الأرز – متجاوزًا المستهدف الرسمي – ليتم إنتاج 4822 طنًا من الأسمدة العضوية، وهو ما ساهم في تحسين جودة التربة وزيادة إنتاجية المحاصيل بنسبة وصلت إلى 20%. 

كما وقعت وزارة الزراعة اتفاقيات مع شركات خاصة سمحت بتصدير جزء من القش المكبوس وتطوير مشروعات صناعية متقدمة لاستخراج السيليكا وإنتاج خامات صناعية عالية القيمة.

من الحرق إلى الصناعة.. كيف صنعت مصر قيمة اقتصادية من قش الأرز؟

الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لمنظومة جمع قش الأرز

أصبح قش الأرز اليوم مصدر دخل مباشر للفلاحين، حيث يتراوح سعر الطن من 500 إلى 800 جنيه، ما يضيف عائدا يصل إلى آلاف الجنيهات للفدان الواحد، إضافة إلى استفادة المزارع من الأسمدة العضوية منخفضة التكلفة، ما يقلص نفقات الإنتاج بنسبة بين 15 و20%.

على مستوى الدولة، ساهمت المنظومة في توفير فرص عمل جديدة خاصة للشباب عبر تأجير المعدات وإنشاء نقاط تجميع، حيث تم تسجيل 147 طلبا لتأجير معدات، و209 طلبات لفتح مواقع تجميع، كما أسهمت المنظومة في تعزيز الصادرات الزراعية، وخفض الأعباء البيئية والصحية، وحماية المدن من السحابة السوداء، إلى جانب التوجه نحو اقتصاد دائري يقلل الهدر ويعظم العائد.

أرقام منظومة جمع قش الأرز في 2025

شهد موسم 2025 قفزة نوعية غير مسبوقة، حيث تم كبس وجمع 800 ألف طن خلال أكتوبر فقط، ليصل الإجمالي إلى 2.6 مليون طن بنهاية نوفمبر، ومن هذه الكمية، تم إنتاج 4822 طنًا من الأسمدة العضوية، مقارنة بـ1700 طن فقط في مرحلة مبكرة من الموسم، مع تحقيق انخفاض كبير في معدلات الحرق وصل إلى 90% في المحافظات المشاركة.

هذه النتائج عكست نجاح السياسات الحكومية في تحويل منظومة قش الأرز إلى نموذج عملي لتطبيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة المتعلقة بالاقتصاد الدائري والبيئة النظيفة، وأصبحت الآن واحدة من أهم مصادر الدخل للدولة والفلاحين معا.

من الحرق إلى الصناعة.. كيف صنعت مصر قيمة اقتصادية من قش الأرز؟

قصة تحول وطني نحو الاقتصاد الأخضر

وتعمل الحكومة مؤخرا على توسيع البرنامج ليشمل محافظات جديدة في موسم 2026، مع الإعلان عن خطط لتعزيز التعاون الدولي في مجال التكنولوجيا الحيوية، بهدف رفع إنتاج الأسمدة العضوية إلى 10 آلاف طن، وتقليل الاعتماد على الأسمدة المستوردة، ودعم خطط الاكتفاء الذاتي الزراعي.

وأضحت الآن منظومة جمع وتدوير قش الأرز قصة نجاح مصرية تمثل نموذجا للتخطيط المحكم والتنفيذ العملي الذي يجمع بين الاستدامة وحماية البيئة وزيادة الدخل، ومن المتوقع أن تستمر هذه المنظومة في التوسع، لتصبح ركيزة أساسية في بناء اقتصاد أخضر يضيف للقيمة الزراعية، ويحافظ على البيئة، ويضمن مستقبلًا أفضل للمزارع والاقتصاد الوطني على حد سواء.