تكنولوجيا وسياحة وخفض الدين.. الرئيس السيسي يرسم خريطة النجاة للاقتصاد المصري | والخبراء يحللون
في خطوة تعكس عمق الوعي بالتحديات الاقتصادية التي تواجه مصر في ظل التوترات الإقليمية والعالمية، ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال لقائه التفاعلي مع المتقدمين للالتحاق بأكاديمية الشرطة، كشفًا صريحًا عن واقع الاقتصاد المصري.
وهذا اللقاء، الذي وصف بـ"لقاء المصارحة"، لم يكن مجرد حوار أكاديمي، بل كان بمثابة خريطة طريق للإصلاحات الاقتصادية الحاسمة، حيث أكد الرئيس السيسي على ضرورة التكاتف الوطني لمواجهة التطورات الإقليمية، مشددًا على أن مصر قادرة على تحقيق نمو اقتصادي عالي إذا حافظت على استقرارها الأمني والسياسي.
وفي سياق يشهد فيه الاقتصاد المصري تراجعًا في أسعار النفط العالمية ورفعًا متتاليًا لأسعار الوقود بنسبة 13% في أكتوبر 2025، جاءت تصريحات السيسي كإعلان عن مرحلة جديدة من الإصلاحات الصعبة لتجاوز الفقر والديون، مع التركيز على دعم المحروقات الذي يصل إلى 600 مليار جنيه سنويًا، وتمويل موازنة تصل إلى 50 تريليون جنيه دون الاعتماد على الاستدانة.
وهذه التصريحات ليست مجرد كلمات، بل دعوة لعمل جماعي يجمع بين الدولة والمواطن، وتستحق تحليلًا عميقًا، لفهم كيفية تحويل هذه الرؤى إلى واقع ملموس.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض كيف يمكن العمل على تحسين الاقتصاد المصري، وما الذي ينتظر الاقتصاد في حال انتهت الدولة من رؤية الرئيس السيسي.
الدعم الحكومي عبء ثقيل أم فرصة للإصلاح؟
وأبرز الرئيس السيسي في لقائه بأكاديمية الشرطة الضغط الهائل الذي يمثله دعم المحروقات على الموازنة العامة، مشيرًا إلى أن مصر تستهلك ما بين 250 إلى 300 مليون أنبوبة بوتاجاز سنويًا بتكلفة دعم تصل إلى 30 مليار جنيه، بينما يبلغ إجمالي الدعم 600 مليار جنيه.
وهذه الأرقام، التي تلتهم جزءًا كبيرًا من الموارد، تستدعي إصلاحات صعبة لتجاوز دائرة الفقر والديون المتزايدة.
من جانبه، أشاد، الدكتور سمير رؤوف الخبير الاقتصادي، برؤية الرئيس السيسي لوضع الاقتصاد المصري، لافتًا إلى أن إلمام الرئيس بكل هذه الأرقام الهامة يعكس قدرات القيادة السياسة ورؤيتها الثاقبة لوضع الدولة، الذي أصبح في موقع أقوى بكثير من ذي قبل بفضل الاصلاحات الاقتصادية العميقة والجدية.
وقدم الدكتور رؤوف، رؤية متفائلة ولكن واقعية، حيث أكد أن 5% فقط من إجمالي الدعم يذهب إلى أنابيب البوتاجاز، بينما تظل قيمة دعم المحروقات مرتفعة للغاية، مما يستدعي إعادة توجيهها نحو التعليم والصحة، وهو ما تقوم به الدولة بالفعل عن طريق خفض قيم الدعم بشكل دوري، وهذا جزء من استراتيجية الاستدامة.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ "بانكير"، أن الاقتصاد العالمي المنكمش حاليًا يؤثر على مصر، لكن التقدم في البنية التحتية خلال السنوات الماضية يمهد لتحقيق أهداف أكبر.
ويرى رؤوف أن الحل يكمن في الاقتصاد الدوار وتحسين استخدام المواد الخام، مما يحول الدعم من عبء إلى استثمار في الإنتاجية.
أما الدكتور كريم العمدة، الخبير في الاقتصاد الدولي، فيصف ملف الدعم بأنه "من الملفات الخطيرة والحيوية"، مشددًا على أن الفلسفة الأساسية للدعم هي الوصول إلى المستحقين الحقيقيين.
وأضاف: "المشكلة ليست في فكرة الدعم، بل في طريقة إدارته في مصر"، موضحًا أن الدعم يقدم للجميع، مما يجعل الفاتورة ضخمة.
ودعا إلى بناء قاعدة بيانات قوية وشاملة لضمان الاستهداف الدقيق، مع ربط الدعم بشروط مثل الالتزام بالتعليم أو التدريب المهني.
وحذر العمدة من أن الإفراط في الديون، حيث تلتهم فوائد الدين 40% من الموازنة، يجور على التعليم والصحة، مما يستدعي محاسبة الحكومة على هذا الإفراط.
وهذه الآراء تكمل تصريحات السيسي، محولة التحدي إلى فرصة لإعادة هيكلة الدعم كأداة للعدالة الاجتماعية.
نحو 50 تريليون جنيه دون استدانة
وفي لحظة مصارحة، أعلن الرئيس السيسي أن تحقيق موازنة متوازنة يتطلب 50 تريليون جنيه سنويًا، محذرًا من أن الاستدانة ستفسد الجهود، قائلاً: "عشان تبقى عندك موازنة كويسة وتصرف منها كويس، محتاج 50 تريليون جنيه في السنة ومتستلفهومش"، مشددًا على ضرورة الإيرادات الذاتية، وهذا الرقم الهائل يعكس الطموح المصري في مواجهة عجز الموازنة، الذي يغطى حاليًا بديون خارجية، وسط انخفاض أسعار النفط الذي خفف بعض العبء كما يشير الخبراء.

ويرى الدكتور سمير رؤوف بتأكيد أن توفير هذا الرقم يتطلب مصادر إنتاجية كبيرة، مثل الزراعة والتصنيع، مع دور حاسم للاقتصاد الدوار.
وقال: "زيادة مردود القطاع السياحي أمر هام للغاية، حيث يوفر دخلًا مباشرًا"، مضيفًا أن الدولة تعمل على ذلك، لكن التحقيق الكامل يحتاج وقتًا واستمرارية.
وأشار إلى أن التقدم في البنية التحتية، رغم الاقتصاد العالمي المنكمش، سيؤدي إلى الأرقام المرجوة، مع التركيز على القطاعات ذات المردود العالي مثل الخدمات والزراعة والصناعة.
وفي المقابل، يحلل الدكتور كريم العمدة الوضع بصرامة، مشيرًا إلى أن تمويل الموازنة يعتمد حاليًا على العجز بسبب تفوق المصروفات على الإيرادات، خاصة فوائد الدين التي تلتهم 40% منها، وهذا يجور على الالتزامات الأخرى مثل التعليم والصحة، داعيًا إلى إصلاح جذري للديون لتجنب الأزمة.
وآراء الخبراء تؤكد أن تصريح السيسي ليس مجرد تحذير، بل دعوة لتنويع الإيرادات عبر الإنتاج المحلي، مما يعزز "الاستقلال الاقتصادي المصري" ككلمة مفتاحية للمستقبل.
الاستثمار في التكنولوجيا والحوسبة
وأكد الرئيس السيسي على ضرورة الاستثمار في التكنولوجيا والحوسبة كوسيلة لتعزيز الاقتصاد، وهذا التوجه يأتي في وقت تتجه فيه مصر نحو التحول الرقمي، مع مشاريع مثل العاصمة الإدارية الجديدة التي تضم مراكز بيانات متقدمة.
ويقابل الدكتور سمير رؤوف هذا التصريح بحماس، معتبرًا أن "قطاع التكنولوجيا والاستثمار به هو توجه رئيسي للدولة، خاصة في البحث والتطوير".
ويرى رؤوف أن هذا الاستثمار سيفيد الاقتصاد المصري بشكل كبير، من خلال خلق فرص عمل وتعزيز الابتكار، مما يربط بين الرؤية الرئاسية والواقع.
أما الدكتور كريم العمدة فيؤكد أهميته، لكنه يحذر من التحديات: "نحتاج الكثير لنقل التكنولوجيا من الخارج، وهو أمر يحتاج مجهودًا كبيرًا".
ودعا إلى عمل مكثف في الفترة القادمة لتجنب الفجوة الرقمية، وهذان الرأيان يرسمان لوحة إبداعية لمصر كمركز تكنولوجي إقليمي، حيث يصبح الاستثمار في الحوسبة مفتاح "النمو الاقتصادي المصري".

قطاع السياحة من 17 مليون إلى 70 مليون سائح
وتحدث الرئيس السيسي عن إمكانية تضاعف أعداد السائحين إلى 60-70 مليون إذا حافظنا على الاستقرار، وهذا الطموح يعكس إمكانيات مصر السياحية الهائلة، خاصة بعد افتتاح المتحف المصري الكبير.
ويؤيد الدكتور سمير رؤوف هذا الرؤية الثاقبة، قائلًا: "السياحة من أهم القطاعات، وهناك دول تحقق 70 مليون سائح بربع إمكانيات مصر"، داعيًا إلى زيادة الغرف الفندقية وزيادة أسطول الطيران بـ100 طائرة، مع الدعاية الضخمة كما في المتحف المصري الكبير.
وقال رؤوف: "شركة مصر للطيران ناقل رسمي له وزنه"، مؤكدًا أن الدولة اتخذت خطوات جدية وقوية لزيادة الأسطول قريبًا.
وفي الوقت نفسه، يصف الدكتور كريم العمدة القطاع بأنه "صعب وشائك"، مشيرًا إلى 17 مليون سائح حاليًا كرقم أفضل من السنوات الماضية لكنه غير متناسب.
وأضاف: "يجب توافر بنية تحتية مثل مطارات تستوعب 70 مليون، و270 ألف غرفة فندقية غير كافية"، مشيدًا بالقطار السريع والمونوريل، حيث أن البدء في هذه المشروعات يوفر بنية نقل مميزة تدعم السياحة.
تخفيض فاتورة الدين
أما فيما يخص خفض الدين العام للدولة، أكد الدكتور سمير رؤوف أن "الدولة تعمل على تخفيض الدين بأكثر من شكل، وسيعود ذلك بتخفيض الأسعار وزيادة الإنتاج"، محسنًا دخل المواطن.
أما الدكتور كريم العمدة فحذر من مخاطر الديون، لكنه يرى في الإصلاح فرصة لتحسين الاقتصاد.
مصر على أعتاب عصر اقتصادي جديد
وتصريحات الرئيس السيسي في لقاء أكاديمية الشرطة ليست مجرد كلمات، بل بوصلة للاقتصاد المصري في 2025، ومع آراء الخبراء يتضح أن الطريق يتطلب إصلاحات مدروسة، استثمارات في التكنولوجيا، وتوسعًا سياحيًا، وبتكاتف الجميع، ستتحقق الاستدامة، محولة التحديات إلى انتصارات.
