4900 دولار للأونصة.. هل حان وقت شراء الذهب؟
في أحدث تطورات أسواق المعادن النفيسة، شهدت أسعار الذهب موجة من التراجعات البارزة خلال الأسابيع القليلة الماضية، مسجلة أكبر انخفاض تصحيحي منذ مطلع العام الحالي، انخفضت الأسعار من قممها القياسية في الشهر السابق بحوالي 360 دولاراً للأوقية، مما أدى إلى خسائر سوقية عالمية تقدر بنحو 2.2 تريليون دولار.
ومع ذلك، يبدو أن هبوط أسعار الذهب لا يثير الذعر في أوساط المتداولين، إذ تشير التقارير الاستراتيجية من كبرى المؤسسات المالية إلى طبيعته المؤقتة، مع توقعات بإعادة انتعاش قوي في العام المقبل، لكن السؤال الذي يطرحه كل مستثمر الآن ليس «لماذا انخفض؟»، بل: هل حان وقت شراء الذهب؟
في هذا التقرير الشامل من بانكير، نجيب بالأرقام والتحليلات والتوقعات الميدانية عن هذا التساؤل الشائك، مستندين إلى أحدث بيانات البنوك العالمية وآراء أبرز المحللين، للتعرف على ما يجب فعله في المستقبل عند الاستثمار في الذهب.

توقعات المؤسسات الدولية لـ أسعار الذهب
تتفق بنوك استثمارية مرموقة مثل يو بي إس، مورجان ستانلي، وجولدمان ساكس على سيناريو إيجابي، حيث يتوقع أن ترتفع أسعار الأوقية إلى نطاق يتراوح بين 4500 و4900 دولار خلال الفترة من 2025 إلى 2026.
وهذا يعني زيادة محتملة تتراوح بين 500 و900 دولار مقارنة بالمستويات الحالية، مدعومة بتحليلات تفصيلية تركز على الاستقرار الاقتصادي العالمي.
طلب قياسي يعزز الثقة في سوق الذهب
وأكد تقرير نشرته سكاي نيوز أنه رغم التصحيحات السعرية الأخيرة، لم ينحسر الإقبال العالمي على الذهب، بل ارتفع إلى مستويات تاريخية، ففي الربع الثالث من العام، بلغ الطلب 1313 طناً، وهو أعلى رقم مسجل في تاريخ الأسواق الحديثة.
ووفقا للبيانات التحليلية، شكل الاستثمار النقي نحو 40% من هذا الحجم، أي أكثر من 17 مليون أوقية، مما يعكس اعتقاد المستثمرين بقيمة الذهب كأصل آمن وسط تقلبات اقتصادية عالمية.
وعلى مدار التسعة أشهر الأولى من العام، تجاوز إجمالي المشتريات 120 مليون أوقية، مما رفع القيمة السوقية للذهب بأكثر من 10 تريليونات دولار منذ بداية 2025، وهذا الإصرار على الاستثمار يؤكد جاذبية الذهب الدائمة، رغم الضغوط الناجمة عن تغيرات أسعار الفائدة والدولار الأمريكي.

تصحيح ضروري لاستدامة الصعود
وأكد أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في ساكسو بنك، أن التراجع الحالي ليس إشارة إلى انقلاب في الاتجاه الصعودي، بل خطوة صحية لتجنب تشكل فقاعة سعرية، مضيفا: "في الأسبوع الماضي، كل محاولة للانخفاض كانت تُقابل بدخول مشترين جدد، مما يبرز حيوية السوق وحماس المستثمرين تجاه الذهب".
وحدد هانسن، في تصريحات لسكاي نيوز، مستوى 3850 دولاراً للأوقية كنقطة مفصلية، إذا انخفضت الأسعار دون هذا الحد، قد تشهد تراجعا مؤقتا إلى ما تحت 3800 دولار، أما إذا ثبتت فوقه، فمن المتوقع استئناف الصعود بقوة، مع مكاسب محتملة تفوق 800 دولار في العام القادم.
وأضاف رئيس استراتيجية السلع في ساكسو بنك: "حتى لو انخفض السعر بـ150 دولاراً، فهذا ليس نهاية الاتجاه، بل فرصة لإعادة التراكم، حيث تحتاج الأسواق إلى فترات تصحيح للحفاظ على صحتها".
الدولار والفائدة عوائق مؤقتة
وتعرضت أسعار الذهب لضغوط بسبب قوة الدولار الأمريكي وتأجيل توقعات خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، ومع ذلك، يرى هانسن أن هذه التأثيرات قصيرة الأمد، مشيراً إلى أن اقتراب دورة التيسير النقدي سيعزز من دعم الذهب، خاصة مع بدء الأسواق في تسعير هذا السيناريو".
وأكد هانسن على أن تزامن الانخفاض مع موسم الديوالي في آسيا، الذي يشهد تباطؤا موسميا في الطلب، لكنه يتعافى سريعا في الربع الأخير.
ويبرز ارتفاع الدين العام الأمريكي كعامل رئيسي في دعم الذهب، وسط غياب حلول جذرية، حيث يقول هانسن إن هذا التراكم "يوفر أساساً هيكلياً للمعدن النفيس"، إذ يزيد من مخاوف التضخم ويقلل من الثقة في العملات الورقية، مما يدفع المستثمرين نحو التحوط، مؤكدا أن عدم وجود تغييرات مرتقبة في هذا السياق يجعل الذهب عنصراً أساسيا في المحافظ الاستثمارية.

عدم اليقين العالمي مازال قائماً
رغم هدوء نسبي في التوترات بين الولايات المتحدة والصين عقب المفاوضات الأخيرة، يظل عدم اليقين العالمي قائماً، حيث يؤكد هانسن أن هذا الوضع "يحفز البنوك المركزية على مواصلة شراء الذهب لتنويع احتياطياتها"، وتدعم البيانات استمرار هذه المشتريات بوتيرة عالية، مما يحد من مخاطر الانخفاضات الشديدة ويعزز الاتجاه الصعودي على المدى الطويل.
عودة الزخم الصعودي
وفقاً لتقارير ساكسو بنك، بدأ الإطار الفني للذهب في التحول نحو الصعود بعد انتهاء التصحيح، مع إمكانية اختراق مقاومات رئيسية في الربع الأول من 2026، حيث يشير هانسن إلى أن المستثمرين طويلي الأجل ينظرون إلى التقلبات كفرص للشراء، مما يعزز استقرار السوق ويمنع الفقاعات.
توقعات أسعار الذهب 2026: نمو مشروط بتطورات نقدية
أصبح الذهب مؤشراً للتوازنات الاقتصادية العالمية، حيث يرتفع مع زيادة المخاطر الجيوسياسية أو الديون السيادية.
ويلعب السلوك النفسي للمستثمرين دوراً حاسماً، مع موجات شراء مدفوعة بالخوف وجني أرباح في فترات الهدوء، ومع ذلك، تبقى التوقعات إيجابية على المدى المتوسط.

يتوقع الخبراء أن يشهد العامان المقبلان تحولاً كبيراً، مع ارتفاع محتمل إلى أكثر من 4700 دولار للأوقية، بشرط خفض الفائدة أو تجدد التوترات، بينما في المقابل، قد يؤجل قوة الدولار أو تراجع الطلب هذه الارتفاعات إلى ما بعد 2026.
في الختام، يعتبر الهبوط الأخير في أسعار الذهب استراحة تصحيحية ضمن مسار صعودي قوي، مدعوماً بطلب تاريخي، مشتريات مركزية، وارتفاع الديون، ومع اقتراب نهاية 2025، يبدو الذهب جاهزا لإعادة توازن، متحديا التقلبات ليحافظ على مكانته كأصل رئيسي في عالم الاستثمار.
