عمرو عامر يكتب: غرامة المليار.. حين يؤكد البنك المركزي أن الانضباط هو الطريق إلى الثقة
في مشهد يعكس صرامة الانضباط وحكمة الإدارة، جاء قرار البنك المركزي المصري بفرض غرامة قدرها مليار جنيه على بنك أبوظبي الأول، ليؤكد أن العدالة المصرفية لا تعرف استثناءً، وأن النظام المالي في مصر يسير بخطى ثابتة نحو مزيد من الشفافية والانضباط.
ولم يكن القرار مجرد إجراء عقابي، بل رسالة مؤسسية حازمة بأن الرقابة المصرفية في مصر ليست شكلاً بل جوهرًا، وأن القانون يسري على الجميع دون تفرقة أو مجاملة.
هذا القرار يعيد التذكير بأن الانضباط المصرفي ليس قيودًا بل ضمانات، تحفظ استقرار السوق، وتصون أموال المودعين، وتبني جسور الثقة بين البنوك وعملائها والمستثمرين على حد سواء .. فحين تلتزم المؤسسات المالية بمعايير الامتثال الصارمة، فإنها لا تحمي نفسها فحسب، بل تدعم سمعة القطاع المصرفي المصري كأحد الأعمدة الأكثر صلابة في المنطقة.
وأرسل البنك المركزي رسالته الواضحة بأن الحياد هو عنوان التعامل مع جميع البنوك العاملة في السوق المصرية، وإن الرقابة ليست انتقائية، بل مبدأ مؤسسي راسخ يهدف إلى تقويم الأداء وحماية النظام المالي من أي انحراف أو خلل، وفي الوقت ذاته، يظل البنك المركزي هو الداعم الأكبر لتطوير قدرات البنوك، إذ لا يكتفي بالمراقبة، بل يمد يده بالتوجيه والمساندة، ويوفر الأدوات والسياسات التي ترفع كفاءة الرقابة الداخلية والامتثال المصرفي داخل كل بنك.
غير أن الرسالة الأعمق في القرار هي دعوة للبنوك جميعًا إلى إعادة النظر في سياسات التمويل، وتعزيز إدارات المخاطر، وتفعيل آليات المراجعة والمتابعة الائتمانية بصورة أكثر احترافًا وصرامة، فالمناخ الاقتصادي الحديث لا يحتمل التساهل في إدارة المخاطر، ولا يغفر الهفوات التي قد تهدد استقرار النظام المالي.
وإن ما فعله البنك المركزي ليس معاقبة بنك بعينه، بل تأكيد على مبدأ العدالة المالية والانضباط المؤسسي، وهو المبدأ الذي ترتكز عليه الثقة في أي نظام مصرفي متطور، فالثقة لا تُبنى بالشعارات، بل بالممارسات المنضبطة والرقابة الفاعلة والقرارات الحاسمة حين تقتضي الضرورة.
غرامة المليار جنيه ليست نهاية واقعة، بل بداية مرحلة جديدة من الانضباط المصرفي المسؤول، حيث يدرك الجميع أن احترام القواعد هو الطريق الأكيد إلى الاستقرار، وأن قوة النظام المالي المصري تُقاس بقدرته على تطبيق القانون بعدل، وحماية الثقة باعتبارها رأس المال الحقيقي لأي اقتصاد واعد.
