500 مليون دولار استثمارات.. كيف تحولت مصر إلى مركز إقليمي لصناعة تكييفات VRF؟
بدأت مصر مرحلة جديدة في مسارها الصناعي مع إطلاق مشروع عملاق لتصنيع تكييفات VRF، في خطوة تعد تحولا استراتيجيا من الاستيراد إلى الإنتاج المحلي للتقنيات المتقدمة، والمشروع لا يمثل توسعا صناعيا تقليديًا، بل يعكس انتقال الدولة إلى مربع الصناعات عالية القيمة، القادرة على إحداث فارق حقيقي في هيكل الاقتصاد وتعزيز موقع مصر إقليميًا ودوليا.
يوفر المشروع على مصر نحو 180 مليون دولار سنويًا، كانت تنفق على استيراد تكييفات VRF، ويعد الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث لأول مرة يتم إنشاء مصنع عملاق متخصص في إنتاج هذا النوع من التكييفات شديدة التعقيد، والتي كانت تعد تصنيعها إقليميا أمرًا بالغ الصعوبة بسبب متطلباتها التقنية والهندسية العالية.
استثمارات تصل إلى 500 مليون دولار
جاء مشروع تصنيع تكييفات VRF تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتحرك الفوري لإنشائه، مع استهداف ضخ استثمارات تصل إلى 500 مليون دولار حتى عام 2029.

وهذه التوجيهات عكست إدراك الدولة لأهمية توطين الصناعات المتقدمة باعتبارها ركيزة أساسية لتحقيق الاستقلال الصناعي وتعزيز القدرات التكنولوجية الوطنية، وزيادة قيمة الصادرات والتي بدورها تعزز من الاستثمارات المباشرة للدولة.
مميزات صناعة VRF
تكييفات VRF ليست أنظمة تبريد تقليدية، بل يعد من أكثر تقنيات التكييف تطورًا وتعقيدًا في العالم، وتعتمد عليها المباني العملاقة والمنشآت الكبرى، وهذه الصناعة تتطلب هندسة دقيقة للغاية، ومكونات عالية الحساسية.
وتشمل هذه المكونات ضواغط فائقة الدقة، وأنظمة تحكم إلكترونية متقدمة، وحساسات حرارية متطورة، وهو ما جعل عدد الدول القادرة على تصنيعها عالميًا محدودًا للغاية.
Haier تكسر حاجز المستحيل في الشرق الأوسط
حققت شركة Haier إنجازًا غير مسبوق، بعدما أعلنت خروج أول 1000 وحدة من تكييفات VRF من خطوط الإنتاج التجريبية داخل مصر، هذه الخطوة لم تنجح أي دولة عربية أو إفريقية أو حتى في منطقة الشرق الأوسط في تحقيقها من قبل، نظرًا لتعقيد التقنية وصعوبة توطينها دون امتلاك خبرات صناعية وتكنولوجية فائقة.
ودخلت الوحدات الأولى التي جرى تصنيعها مرحلة التجارب التجارية، وهي المرحلة التي تسبق التشغيل الكامل للمصنع الضخم الجاري إنشاؤه خصيصًا لإنتاج تكييفات VRF بمدينة العاشر من رمضان، ويجري الإعداد حاليًا للانتقال إلى مرحلة الإنتاج التجاري واسع النطاق وفق خطة زمنية واضحة.
مصنع Haier الأول من نوعه في الشرق الأوسط
لم ينشأ المصنع الجديد لتلبية احتياجات السوق المصرية فحسب، بل جرى تصميمه ليكون مركز إنتاج إقليمي يخدم أسواق الشرق الأوسط وإفريقيا، وهذه الرؤية تضع مصر في موقع القاعدة الصناعية التي تغذي الإقليم بتقنيات متقدمة، وتفتح آفاقًا واسعة أمام التصدير وجذب الاستثمارات.

وتُعد Haier الشركة الوحيدة التي كلفتها الدولة رسميًا في مايو 2024 بالدخول إلى صناعة تكييفات VRF داخل مصر، في مؤشر واضح على الثقة في قدراتها الفنية والتكنولوجية، وقدرتها على نقل وتوطين واحدة من أعقد الصناعات الهندسية عالميًا.
إغلاق باب الاستيراد وفتح بوابة التصدير
من المقرر أن يبدأ التشغيل التجاري الكامل للمصنع في الربع الثالث من عام 2026، ومع هذه المرحلة ستتراجع واردات مصر من تكييفات VRF بشكل شبه كامل، بعدما كانت تستورد ما بين 100 و120 ألف وحدة سنويًا بتكلفة تصل إلى 180 مليون دولار، ومع الإنتاج المحلي، ستتحول هذه القيمة إلى تصنيع داخلي وفرص تصدير للأسواق الخارجية.
أُقيم المجمع الصناعي الجديد على مساحة 200 ألف متر مربع، مع استثمارات مستهدفة تصل إلى 500 مليون دولار بحلول عام 2029. ونجحت الشركة في رفع نسب المكون المحلي إلى مستويات كبيرة، بلغت 63% في التكييفات المنزلية، و46% في الغسالات، و40% في الشاشات، ما يعكس تعميق الصناعة وتقليل الاعتماد على المكونات المستوردة.
مصر الدولة الوحيدة إقليميًا في هذه التقنية
مع اكتمال المشروع، ستصبح مصر الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تنتج تكييفات VRF بهذه التقنية المتقدمة، وهو ما يمنحها موقعًا استثنائيًا كمركز تكنولوجي صناعي معتمد عليه إقليميًا، ويعزز قدرتها على المنافسة في الصناعات عالية القيمة.
وتعكس هذه الخطوة أن مصر تتحرك بثبات نحو نموذج اقتصادي جديد، قائم على التصنيع المتقدم والتكنولوجيا والتصدير، وليس الاكتفاء بدور السوق المستهلك، وهذا المسار يؤكد أن ما يحدث اليوم هو تأسيس لمرحلة مختلفة في الصناعة المصرية، تُعيد رسم خريطة الدور الاقتصادي لمصر في المنطقة.
