الهيدروجين مقابل الديون.. اتفاق مصري ألماني يعيد رسم خريطة الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط

تتحرك مصر بخطى ثابتة نحو ريادة التحول الأخضر، واضعة نفسها في قلب الثورة العالمية للطاقة النظيفة، بعدما تحولت مشروعات الهيدروجين الأخضر إلى ركيزة رئيسية في استراتيجيتها الاقتصادية الجديدة، ومع تسارع الخطى العالمية نحو الحياد الكربوني، تسعى مصر لأن تكون مركزًا إقليميًا لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر إلى الأسواق الأوروبية والعالمية.
وفي هذا السياق، تتعمق الشراكة المصرية الألمانية لتصبح نموذجا لتعاون دولي متوازن في مجال الطاقة النظيفة، إذ أعلنت برلين عن نيتها استيراد الهيدروجين الأخضر من القاهرة خلال العامين المقبلين، ضمن برنامج مبادلة الديون بقيمة 340 مليون يورو.
تفاصيل مبادلة الديون مقابل الهيدروجين بين مصر وألمانيا
وأكد السفير الألماني بالقاهرة يورجن شولتس أن بلاده ترى في مصر شريكا استراتيجيا في مسار التحول الأخضر، موضحا أن الدعم الألماني لا يقتصر على الجانب الفني فقط، بل يمتد أيضا إلى التمويل والمشاركة في تنفيذ مشروعات الطاقة المستدامة، وعلى رأسها إنتاج الهيدروجين الأخضر الذي يمثل ركيزة أساسية في استراتيجية برلين للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون.
وتبرز مصر، بحسب تقارير منظمة "أوبك"، كواحدة من أكبر الدول العربية تنفيذًا لمشروعات الهيدروجين الأخضر، حيث تمتلك مقومات طبيعية وبنية تحتية تؤهلها لتكون مركزًا إقليميًا لإنتاج وتصدير الطاقة النظيفة، وهو ما يتسق مع رؤيتها الوطنية للتحول إلى اقتصاد أكثر استدامة وجذب الاستثمارات الخضراء.

مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر
تحتضن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس النصيب الأكبر من مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر، لتصبح مركزا إقليميا للطاقة النظيفة، بإجمالي استثمارات تتجاوز 40 مليار دولار حتى عام 2040.
ومن أبرز المشاريع الجاري تنفيذها مشروع “الهيدروجين الأخضر المصري” بقدرة 100 ميجاواط، الذي يقوده تحالف فيرتيغلوب وسكاتيك، والمقرر الوصول إلى قراره الاستثماري النهائي خلال النصف الأول من عام 2025، لتلبية نحو 10% من احتياجات ألمانيا من الأمونيا الخضراء.
كما يبرز مشروع جنوب سيناء العملاق، أحد أكبر مشروعات الهيدروجين الأخضر على مستوى العالم، بطاقة إنتاجية تصل إلى 400 ألف طن سنويًا، مع اعتماد على 3.1 جيجاواط من الطاقة الشمسية، وتكلفة إجمالية تقدر بـ 17 مليار دولار، ومن المخطط اكتمال المرحلة الأولى من المشروع بحلول عام 2030، ليشكل قفزة نوعية في خريطة إنتاج الطاقة المتجددة بالمنطقة.
وفي تطور حديث، أعلنت الشركة اليونانية يونيس في التاسع من أكتوبر الجاري عن بدء إنتاج 32 ألف طن من الهيدروجين الأخضر عبر خط الطاقة الرابط بين مصر واليونان، ما يمثل نقلة مهمة في مسار تصدير الطاقة النظيفة إلى أوروبا.

طفرة في الاتفاقيات والاستثمارات
حققت مصر خلال الأعوام الأخيرة قفزة نوعية في جذب الاستثمارات الدولية بقطاع الطاقة الخضراء، إذ أبرمت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس نحو 30 مذكرة تفاهم مع كبرى الشركات والتحالفات العالمية، تم تفعيل 14 مذكرة منها بالفعل.
وأسفرت الجهود عن توقيع 11 اتفاقية إطارية لمشروعات يُقدّر إنتاجها السنوي بنحو 18 مليون طن من الهيدروجين ومشتقاته، ويعكس هذا الزخم المتزايد ثقة المستثمرين في البنية التشريعية والقدرات الفنية والبيئية التي تتمتع بها مصر، فضلا عن موقعها كمحور مثالي لتصدير الطاقة إلى أوروبا وإفريقيا وآسيا.
خطة لإنتاج 1.5 مليون طن سنويا بحلول 2030
ورغم هذا التقدم الكبير، لا تزال التحديات التمويلية والفنية حاضرة، إذ يعاني القطاع من ارتفاع تكاليف التنفيذ وضعف البنية التحتية الكهربائية، إضافة إلى محدودية الطلب العالمي، حيث لم تتجاوز خمسة مشروعات فقط مرحلة دراسات الجدوى حتى سبتمبر 2025.

ومع ذلك، يعمل المجلس الوطني للهيدروجين، الذي تأسس عام 2023، على تجاوز هذه العقبات ضمن خطة طموحة تستهدف إنتاج 1.5 مليون طن سنويًا بحلول 2030، مدعومة بحوافز استثمارية وإعفاءات ضريبية تصل إلى 55% لجذب المزيد من رؤوس الأموال المحلية والأجنبية.
تعكس مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر تحولًا استراتيجيًا في فلسفة التنمية، حيث لم تعد الطاقة مجرد قطاع اقتصادي، بل أصبحت بوابة نحو مستقبل أكثر استدامة، فهل تنجح مصر في ترسيخ موقعها كأحد أبرز منتجي الهيدروجين الأخضر عالميًا؟، كل المؤشرات تؤكد أن السنوات المقبلة ستحمل الإجابة، ومعها ملامح حقبة جديدة للطاقة في المنطقة والعالم.