10.2 مليار دولار خلال 38 شهرا.. طفرة استثمارية تاريخية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس

منذ أن اتخذت مصر قرارها بإنشاء المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في أغسطس 2015، بدا واضحا أن الدولة تخطو نحو مشروع غير تقليدي، مشروع يتجاوز حدود التنمية المحلية ليصنع لنفسه مكانًا على خريطة الاقتصاد العالمي.
هذا المشروع الذي يمتد على مساحة 455 مليون متر مربع لم يكن مجرد مساحة جغرافية، بل رؤية متكاملة تستهدف تحويل مصر إلى مركز إقليمي ودولي للتجارة والصناعة، عبر بناء مناطق صناعية كبرى وموانئ بحرية وممرات لوجستية متطورة.
المنطقة الاقتصادية لقناة السويس: قطارة التنمية
وخلال أقل من عقد، تحولت هذه الرؤية إلى واقع ملموس، فالآن تمتلك المنطقة الاقتصادية لقناة السويس 6 موانئ بحرية متصلة بشبكات عالمية للشحن، وأربع مناطق صناعية تضم 14 مطورًا صناعيا وأكثر من 400 منشأة عاملة حتى ديسمبر 2024، إلى جانب ما يزيد عن 100 ألف فرصة عمل مباشرة، لتصبح قاطرة للتنمية الشاملة ومركز جذب للاستثمارات الأجنبية والمحلية.
وحرصت الدولة المصرية على توفير كل عناصر الجذب داخل المنطقة، من خلال تطوير بيئة أعمال تنافسية قائمة على الرقمنة والخدمات الذكية، وبنية تحتية شاملة تربط الموانئ بالطرق والسكك الحديدية، وهذه الجهود لم تكن عشوائية، بل جزءًا من استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى تحويل المنطقة إلى منصة استثمارية متكاملة وصديقة للبيئة.

إشادات دولية بتطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس
تقارير دولية عدة أبرزت هذا التوجه، إذ وصفت مؤسسة أجيليتي المنطقة الصناعية لقناة السويس بأنها دليل على سعي مصر للعب دور محوري في الاقتصاد العالمي، بينما سلطت US News الضوء على مساعيها للتحول إلى مركز عالمي للوقود الأخضر مثل الهيدروجين والأمونيا والميثانول الأخضر.
أما البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، فقد أشاد بدورها في تسريع الرقمنة، فيما أكدت فيتش أن مصر ماضية في جذب المزيد من الاستثمارات عن طريق الشركات متعددة الجنسيات من خلال إنشاء مناطق صناعية ضخمة تخدم واحدا من أهم طرق الملاحة في العالم.
طفرة استثمارية غير مسبوقة
ما تحقق خلال السنوات الأخيرة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس يمثل طفرة حقيقية، فالدولة استثمرت ما يقرب من 3.5 مليار دولار في تطوير بنيتها التحتية خلال 7 سنوات، مع خطط لاستثمار ما بين 2.5 و3 مليارات دولار إضافية خلال المرحلة المقبلة، هذه الاستثمارات انعكست مباشرة على حجم الإقبال من المستثمرين الأجانب، الذين وجدوا في المنطقة مقومات متكاملة تضمن استثمارات طويلة الأمد.

وقال وليد جمال الدين، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، إن "المستثمر حين يختار موقعًا جديدًا يخطط لعقود وليس لسنوات قليلة، ولذلك فإن البنية التحتية القوية والعمالة الماهرة بأسعار تنافسية، هي العناصر الحقيقية التي دفعت المستثمرين للتوجه إلى مصر، وليس كما انخفاض الرسوم الجمركية كما يشاع".
وأكد جمال الدين، في تصريحات للعربية، أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تتمتع بمزايا تنافسية قلما تجتمع في موقع واحد، منها الموقع الاستراتيجي الذي يطل على أهم الممرات الملاحية الدولية، وتكلفة طاقة منخفضة تصل إلى 70% أقل من مثيلاتها في دول أخرى.
وأشار إلى أن هناك اتفاقيات دولية أبرمتها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، تتيح الوصول إلى أسواق إقليمية وعالمية، بالإضافة إلى بنية تحتية ولوجستية متكاملة تدعم الصناعات الثقيلة والخفيفة على حد سواء.
هذه المقومات أسهمت في جذب استثمارات تقدر بنحو 10.2 مليار دولار خلال 38 شهرا فقط، منها 60% خلال عام واحد، وهو ما يعكس ثقة متزايدة في المناخ الاستثماري.
توطين صناعات جديدة وتوسيع قاعدة الإنتاج
إلى جانب جذب الاستثمارات، أولت المنطقة اهتمامًا بتوطين صناعات استراتيجية لم تكن موجودة من قبل في السوق المصري، فقد بدأت مشروعات لإنتاج مواسير الظهر والألواح الشمسية، إلى جانب خطط لتوطين صناعة المواد الفعالة للأدوية والغزل والنسيج بمدينة القنطرة، هذه الخطوات لا تكتفي بتلبية الطلب المحلي، بل تعزز القدرة التصديرية وتفتح آفاقا جديدة للمنتجات المصرية في الأسواق العالمية.
كما بلغت قيمة الصادرات الصناعية من المنطقة الاقتصادية نحو 2.5 مليار دولار سنويًا، مع توقعات بتضاعف هذا الرقم في ظل التوسع الصناعي القائم، وفي الوقت نفسه، يجري العمل على إطلاق حوافز إضافية للمستثمرين في قطاعات حيوية مثل صناعة السيارات والهيدروجين الأخضر، بما يتماشى مع التحولات العالمية نحو الطاقة النظيفة.

المنطقة الاقتصادية عنوانا لـ"الجمهورية الجديدة"
المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لم تعد مجرد مشروع قومي، بل أصبحت عنوانا لمصر الجديدة التي تستهدف موقعا متقدما في الاقتصاد العالمي، فهي تجمع بين الموقع الاستراتيجي والبنية التحتية المتطورة والعمالة الماهرة، وبين الرؤية الاستراتيجية والدعم الحكومي، لتشكل منصة واعدة للاستثمار والصناعة والتصدير،
ومع استمرار تدفق الاستثمارات وتوطين الصناعات الجديدة بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، تبدو مرشحة لأن تصبح واحدة من أبرز المراكز الاقتصادية في العالم خلال العقد المقبل.