الفضة تواصل الارتفاع القياسي.. ومخاطر نقص الإمدادات تلقي بظلالها على الصناعات
سجّل سعر الفضة طفرة تاريخية بعد أن اخترق مستوى 80 دولارًا للأونصة، في واحدة من أسرع موجات الصعود التي يشهدها المعدن الأبيض خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا بمزيج من العوامل التي تشمل الطلب الصناعي القوي، وتراجع المخزونات، وتزايد عمليات المضاربة في نهاية العام. وخلال جلسة متقلبة، قفزت الأسعار إلى نحو 84 دولارًا للأونصة قبل أن تتعرض لتراجعات بفعل جني الأرباح، ثم تعود للاستقرار قرب مستويات مرتفعة تاريخيًا.
ويرى محللون أن هذه القفزة تعكس “اختلالًا هيكليًا” واضحًا بين العرض والطلب. فالفضة، بخلاف الذهب، تُستخدم على نطاق واسع في قطاعات حيوية مثل الصناعات الإلكترونية، والألواح الشمسية، ومراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يجعل أي نقص في الإمدادات سريع التأثير على الأسعار. ومع انخفاض المخزونات في الصين إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2015، ارتفعت العلاوة على التسليم الفوري إلى نحو 7% مقارنة بالعقود المؤجلة، في إشارة إلى سباق محموم للحصول على المعدن الفعلي.
كما استفادت الفضة من بيئة نقدية داعمة، إذ أدت تخفيضات الفائدة الأميركية المتتالية إلى تعزيز الإقبال على الأصول التي لا تدر عائدًا، فيما ساهم ضعف الدولار في زيادة جاذبية المعادن النفيسة للمستثمرين حول العالم. وتزامن ذلك مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في عدة مناطق، وهو ما دفع المتعاملين للبحث عن ملاذات آمنة، إلى جانب الذهب والبلاتين.
ومع ذلك، يحذر بعض الخبراء من أن السوق قد تكون بصدد فقاعة سعرية قصيرة الأجل. فالمؤشرات الفنية تُظهر وصول الفضة إلى مستويات “تشبع شراء” تاريخية، بينما يشير اتساع نطاق التقلبات إلى دخول المضاربين بقوة. ويؤكد محللون أن أي تحسن مفاجئ في الإمدادات، أو تباطؤ في الطلب الصناعي، يمكن أن يدفع الأسعار إلى تصحيح حاد.
ويزيد من تعقيد المشهد فتحُ وزارة التجارة الأميركية تحقيقًا حول واردات المعادن الحيوية وتأثيرها المحتمل على الأمن القومي. ويخشى المتعاملون أن تنتهي هذه التحقيقات إلى فرض رسوم أو قيود جديدة على الواردات، ما قد يحد من المعروض المتاح في الولايات المتحدة ويزيد الضغوط على السوق العالمية. وبينما تدفقت كميات من الفضة نحو الخزائن في لندن منذ أزمة أكتوبر الماضي، فإن ذلك أدى في المقابل إلى نقص في مخزونات أسواق أخرى.
وتتربص الصناعات الكبرى بتطورات السوق؛ فارتفاع الأسعار يهدد تكلفة الإنتاج في قطاعات تعتمد على الفضة بشكل أساسي، وفي مقدمتها الطاقة المتجددة والإلكترونيات. وقد عبّر إيلون ماسك عن قلقه من احتمالات نقص الإمدادات، مؤكدًا أن الفضة عنصر لا غنى عنه في العديد من العمليات الصناعية الحديثة.
وفي ظل هذا المشهد المتشابك، يرى مراقبون أن مسار الفضة خلال الفترة المقبلة سيتحدد وفق ثلاثة عوامل رئيسية: مدى استمرار النقص في المخزونات العالمية، والقرارات المحتملة المرتبطة بالتحقيقات الأميركية، إضافة إلى اتجاهات السياسة النقدية وأسعار الفائدة. وبينما يراهن البعض على استمرار الصعود، يفضّل آخرون الحذر في سوق تتداخل فيها المضاربات مع حقائق العرض والطلب بشكل غير مسبوق.
