بعد تصريحات رئيس الوزراء.. هل تهدد التعاملات الدولية بالعملات المحلية في البريكس عرش الدولار؟

بدأت قضية تقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي تفرض نفسها بقوة على النقاشات الاقتصادية العالمية، خصوصا بعد إعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن دول مجموعة "البريكس" شرعت بالفعل في تطبيق آلية التبادل التجاري بالعملات المحلية بين بعض أعضائها، في خطوة أولية تمهد لتوسيع نطاقها مستقبلا.
مدبولي أوضح أن الانطلاقة بدأت بشكل ثنائي بين بعض دول المجموعة، باعتبارها تجربة تمهيدية، لكنها تحمل دلالات مهمة على طريق بناء منظومة أكثر استقرارا وعدالة في التجارة الدولية، مؤكدا أن التعامل بالعملات المحلية يخفف من الضغوط على العملات الأجنبية، ويعزز فرص تحقيق توازن في ميزان المدفوعات، مشيرًا إلى أن نجاح التجربة يرتبط بمدى قدرة الدول على تحقيق توازن تجاري متبادل، وهو ما يجعلها محدودة في بدايتها لكنها ذات آفاق توسعية كبيرة.
البريكس منصة بديلة للدول النامية
تصريحات رئيس الوزراء جاءت في سياق يتناغم مع ما نشرته مجلة World Politics Review الأمريكية في يونيو 2025، والتي أكدت أن "البريكس" تسعى لأن تكون منصة بديلة للدول النامية لتعزيز استقلالها الاقتصادي.
فالتوجه نحو استخدام العملات المحلية وتطوير أنظمة تسوية مستقلة يعد استجابة مباشرة للعقوبات الغربية على روسيا، وأداة لمواجهة الضغوط الناتجة عن تهديدات أمريكية بفرض تعريفات جمركية قاسية.

ويتوقع صندوق النقد الدولي، وفق تقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في أكتوبر 2024، أن يصبح الاعتماد على اقتصادات "البريكس" أكثر وضوحا في دفع النمو العالمي، بالتوازي مع تراجع مساهمة مجموعة السبع.
أما تقديرات بلومبرج إيكونوميكس فتذهب إلى أن دول "البريكس" قد تسيطر على نصف الناتج العالمي بحلول 2040، بينما سيبلغ عدد سكان "بريكس+" نحو أربعة مليارات نسمة بحلول 2050، وهو ما يعكس تحولا جذريا في موازين القوة الاقتصادية.
هل تكسر مجموعة البريكس احتكار الدولار؟
يرى خبراء أن التعامل بالعملات المحلية بين دول "البريكس" يهدف بالأساس إلى كسر احتكار الدولار، ليس فقط على مستوى التبادل التجاري، بل أيضًا عبر آليات تمويلية أوسع من خلال بنك التنمية الجديد الذي أُنشئ عام 2014.
هذا التوجه يسهم في تسريع وتيرة التنمية المستدامة، وخلق فرص عمل جديدة داخل اقتصادات التكتل، كما يعزز قدرته على مواجهة الضغوط التقليدية التي تفرضها الولايات المتحدة عبر عملتها.
إلى جانب ذلك، يتجه التكتل نحو بناء أنظمة دفع وتسوية بديلة عن شبكة "سويفت"، مثل النظام الروسي SPFS والصيني CIPS، ويشير خبراء المال إلى أن هذه الخطوات قد تقلص تدريجيًا من نفوذ الدولار عبر تقليل تكاليف التحويل، وتجنب مخاطر تقلباته وأسعار الفائدة الأمريكية، بما يعزز ملامح نظام مالي متعدد الأقطاب.

توسع الاتفاقيات الثنائية داخل "البريكس" يهدد عرش الدولار
ومع ذلك، يشير اقتصاديون إلى أن الدولار ما يزال قويا، إذ يحتفظ بـ 85% من سوق الصرف الأجنبي ويشكل 58% من الاحتياطي العالمي للبنوك المركزية، إضافة إلى هيمنته على تسعير النفط والغاز والذهب.
ورغم ذلك، فإن توسع الاتفاقيات الثنائية داخل "البريكس"، والتي تجاوزت 20 اتفاقية للتخلي عن الدولار، يعكس مسارًا تدريجيًا قد يفضي بمرور الوقت إلى تآكل "عرش الدولار"، حتى وإن لم يكن الانهيار وشيكا.
وما يحدث لا يقتصر على الاقتصاد وحده، بل يمتد إلى موازين السياسة الدولية، فالكثير من الدول باتت تنظر إلى الدولار باعتباره أداة ضغط لا ترغب في الخضوع لها مستقبلا، وهو ما يجعل التوجه نحو العملات المحلية محاولة لإعادة صياغة قواعد النفوذ المالي والجيوسياسي، وبهذا المعنى، فإن تصريحات مدبولي الأخيرة تعكس دخول مصر ـ باعتبارها عضوا في التكتل ـ على خط دعم هذا التحول الاستراتيجي، الذي قد يغير شكل النظام العالمي خلال العقود المقبلة.
هل دخلت البريكس حيز التطبيق؟

في النهاية، يمكن القول إن تصريحات رئيس الوزراء جاءت لتؤكد أن المسار لم يعد نظريا، بل دخل حيز التطبيق، ومع ذلك، فإن مستقبل الدولار لا يزال بعيدا عن الانهيار، لكنه في الوقت ذاته لم يعد في مأمن من التحديات.
فالبريكس، بخطواتها العملية في التعامل بالعملات المحلية، تضع العملة الأمريكية أمام اختبار لم تواجهه منذ سبعة عقود: هل يبقى الدولار على عرشه منفردا، أم يشارك الآخرين في نظام مالي أكثر توازنا وتعددية؟