هيكلة المناطق الحرة.. كيف استعدت مصر لمراجعة لصندوق النقد الدولي؟

تتحرك الحكومة المصرية بخطوات متسارعة على مسار الإصلاح الاقتصادي، في ظل اقتراب موعد المراجعة النهائية مع صندوق النقد الدولي والمقررة في الخريف المقبل، والتي تأتي في وقت حساس يشهد فيه الاقتصاد العالمي تقلبات حادة، بينما يواجه الاقتصاد المحلي تحديات مرتبطة بتدبير العملة الصعبة، وتوسيع قاعدة الإيرادات، وتوفير بيئة استثمارية أكثر جاذبية.
ماذا فعلت مصر استعدادا لمراجعة صندوق النقد الدولي؟
وبينما تراهن القاهرة على أن هذه الإصلاحات ستعزز من ثقة المؤسسات الدولية والمستثمرين الأجانب، فإنها تدرك في الوقت نفسه أن أي تأخير أو تراجع قد ينعكس سلبا على قدرتها في استكمال البرنامج الإصلاحي التي بدأته الحكومة قبل سنوات.
ورغم أن بعض الملفات ما زالت تراوح مكانها، إلا أن الحكومة كثفت من إجراءاتها خلال الأسابيع الأخيرة لتأكيد التزامها أمام الصندوق، حيث تحركت على عدة جبهات، بدءا من إصلاح سوق النقد الأجنبي، مرورا بتعديلات تشريعية تستهدف زيادة الموارد العامة، وصولًا إلى ضبط منظومة المناطق الحرة والطروحات الحكومية، ومع كل ذلك يبقى السؤال مطروحا: كيف استعدت مصر للمراجعة النهائية لصندوق النقد الدولي؟.

إصلاحات سوق النقد الأجنبي
ركزت الحكومة مؤخرا على ملف الدولار، باعتباره أحد أكثر الملفات حساسية في العلاقة مع صندوق النقد الدولي، فقد اتخذت إجراءات لتخفيف القيود المفروضة على استخدام الأفراد للعملة الأمريكية، سعيا لتوسيع نطاق التعاملات وترك السوق يتحرك بشكل أكثر مرونة.
وكان الصندوق قد أشار بوضوح إلى أن سوق الصرف لا يزال محدود الحركة، ما يعكس فجوة بين آليات العرض والطلب الحقيقية، الأمر الذي تطمح الحكومة إلى معالجته تدريجيا من خلال هذه الخطوة للتأكيد على عزم الحكومة استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأته قبل سنوات بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.
تعديلات تشريعية لزيادة الإيرادات
في جانب آخر، تعمل الدولة على تعديل قانون الإعاقة بما يقلص من حجم الإعفاءات الضريبية الممنوحة لواردات السيارات، وينتظر أن يسهم هذا التعديل في رفع الإيرادات بنحو 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الأول من التطبيق.
ويعكس هذا التحرك توجها عاما نحو تقليص الاستثناءات والبحث عن موارد إضافية مستدامة، لتخفيف الضغوط على الموازنة وتعزيز قدرة الدولة على تمويل التزاماتها الاجتماعية والاستثمارية.
إعادة هيكلة المناطق الحرة
وضمن نفس المسار، أقرت الحكومة ضوابط جديدة للمناطق الحرة العامة، تضمنت إلغاء الدعم المقدم للطاقة لمصانعها، والحد من إنشاء مناطق حرة خاصة جديدة. وتهدف هذه الإجراءات إلى تقليص الأعباء المالية على الدولة، وتوجيه الدعم إلى مستحقيه، بالإضافة إلى ضبط منظومة الاستثمار داخل هذه المناطق بما يحقق عوائد اقتصادية أكبر.
ملف التخارج والطروحات الحكومية
يبقى ملف تخارج الدولة من بعض الأنشطة الاقتصادية أحد المحاور الأكثر إثارة للجدل، فعلى الرغم من عدم حدوث تقدم ملموس في هذا الملف حتى الآن، إلا أن الحكومة تؤكد التزامها بتنفيذه، مستهدفة جمع نحو 3 مليارات دولار من خلال برنامج الطروحات الحكومية.
ويعد هذا الملف اختبارا حقيقيا أمام صندوق، لقياس مدى جدية القاهرة في إتاحة مساحة أكبر للقطاع الخاص، وتقليص الدور المباشر للدولة في النشاط الاقتصادي.

ما بين الإصلاح والتحديات
تضع هذه الإصلاحات الحكومة المصرية أمام اختبار صعب، فهي مطالبة بإقناع صندوق النقد الدولي بجدية خطتها الاقتصادية من ناحية، وبالتوازي ضمان أن تؤدي هذه الإجراءات إلى تحسين المناخ الاستثماري وتخفيف الأعباء عن المواطنين من ناحية أخرى، وبينما تقترب لحظة المراجعة الحاسمة، يظل الرهان الأكبر معلقا على قدرة مصر في الموازنة بين متطلبات الصندوق وضرورات الداخل، بما يحدد ملامح المرحلة الاقتصادية المقبلة.