الإثنين 11 أغسطس 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير
عمرو عامر
تحليل

مراجعة سبتمبر الساخنة.. هل تقلب المؤشرات الاقتصادية موازين التفاوض مع صندوق النقد الدولي؟

الأحد 10/أغسطس/2025 - 10:45 م
هل تقلب المؤشرات
هل تقلب المؤشرات الاقتصادية موازين التفاوض مع صندوق النقد

بينما تحضر مصر أوراقها التفاوضية قبيل المراجعتين الخامسة والسادسة مع صندوق النقد الدولي، تتشكل على الطاولة معادلة مختلفة عما كانت عليه سابقًا، هذه المرة، لا تأتي القاهرة بأجندة وعود فقط، بل بأرقام صلبة تعكس تحولات اقتصادية على الأرض، تتمثل في تحويلات تاريخية من المصريين في الخارج، وقفزات في الصادرات، انتعاش سياحي غير مسبوق، وعودة تدريجية لإيرادات قناة السويس، إلى صفقات استثمارات خليجية قيد التنفيذ. 

جميع هذه العوامل تشكل روافع اقتصادية جديدة، وتمثل اوراق قوية قد تعيد صياغة العلاقة مع المؤسسة الدولية بشروط أكثر توازنا، من منطلق تحقيق نموا اقتصاديا مرضيا - إلى حد كبير - لصانعي القرار المصري، ويؤكد على أن الإصلاحات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة قبل عدة سنوات، بدأت تؤتي بثمارها.

تطورات المراجعة الخامسة والسادسة لصندوق النقد

أوفد صندوق النقد بعثته الفنية إلى القاهرة مؤخرًا لإجراء المراجعة الخامسة من البرنامج المشترك الذي تبلغ قيمته 8 مليارات دولار، وناقش الوفد مع مسؤولي الحكومة ملفات شائكة، في مقدمتها خطة الدولة للتخارج من عدد من القطاعات، ومستقبل دعم السلع والخدمات، ووتيرة تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية.

ورغم الإشادة بتحسن بعض المؤشرات، علق الصندوق صرف الشريحة الخامسة من القرض، المقدرة بـ1.3 مليار دولار، بسبب التأخر في تنفيذ جدول الطروحات، خاصة تلك المتعلقة بشركات مملوكة للدولة مثل "صافي" و"وطنية"، والمطارات الحكومية، التي كان يُفترض طرحها أمام المستثمرين منذ أشهر.

وتقرر دمج المراجعتين الخامسة والسادسة في جولة واحدة تعقد في سبتمبر المقبل، وهي مراجعة مزدوجة تعد الأهم منذ توقيع الاتفاق، ليس فقط لأنها ستحسم مصير الشريحة المؤجلة، بل لأنها تمثل اختبارا شاملا لمجمل التزامات الحكومة وهيكلة الاقتصاد الوطني.

هل تقلب المؤشرات الاقتصادية موازين التفاوض مع صندوق النقد الدولي؟

تحويلات المصريين بالخارج: تدفق تاريخي 

برزت تحويلات المصريين العاملين بالخارج كرافد غير مسبوق للنقد الأجنبي في مصر، ففي مايو 2025 فقط، بلغت التحويلات 3.4 مليار دولار، في رقم قياسي لم يسجل من قبل في هذا الشهر تحديدا، ومن يناير إلى مايو 2025، بلغت التحويلات 15.8 مليار دولار، مقارنة بـ9.9 مليارًا في نفس الفترة من 2024، بزيادة ضخمة نسبتها 59%. 

أما على مستوى السنة المالية، فقد سجلت الفترة من يوليو 2024 إلى مايو 2025 نحو 32.8 مليار دولار، مقابل 19.4 مليار في الفترة المماثلة من العام السابق، أي بنسبة ارتفاع تقارب 70%، وهذا التدفق يعزى لتحسن سعر الصرف، وارتفاع الثقة في البنوك المحلية، وتنامي إقبال المصريين في الخارج على شهادات الاستثمار، وفي مقدمتها شهادة الـ27% التي أصدرتها البنوك الحكومية.

الصادرات المصرية: 13 مليار دولار في 3 أشهر فقط

استعادت الصادرات المصرية غير البترولية زخمها في بداية 2025، محققة قفزة بـ34% خلال الربع الأول من العام الجاري، حيث بلغت 13 مليار دولار مقابل 9.7 مليارات فقط في نفس الفترة من عام 2024.

والأهم من ذلك أن هذا النمو لم يكن مؤقتا، إذ سجلت الصادرات ارتفاعا بنسبة 17.1% مقارنة بالربع السابق، مما يعكس ديناميكية تصديرية جديدة مدفوعة بتوسع الأسواق المستهدفة، وتحسّن القدرة التنافسية لبعض القطاعات الإنتاجية.

هذه القفزة أسهمت في خفض العجز في الميزان التجاري غير البترولي بنسبة 12.5%، في وقت ارتفعت فيه الواردات بنحو 15.5% فقط، ما يعني أن الصادرات تفوقت نسبيا على وتيرة الاستيراد.

هل تقلب المؤشرات الاقتصادية موازين التفاوض مع صندوق النقد الدولي؟

السياحة المصرية: 8 مليارات دولار إي إيرادات بزيادة 22%

على خط موازي للنمو الذي تشهده القطاعات المصرية، سجل قطاع السياحة المصرية في النصف الأول من عام 2025 أداء غير مسبوق، مدفوعا بالاستقرار الأمني، وفاعلية الترويج الخارجي، والتوسع في خدمات المقاصد السياحية.

وبلغت إيرادات القطاع 8 مليارات دولار، بزيادة 22% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، فيما وصل عدد الزائرين إلى 8.7 مليون سائح، بزيادة سنوية بلغت 24%، كذلك، قفز عدد الليالي السياحية إلى 51.6 مليون ليلة، مقابل 40.8 مليون ليلة في الفترة نفسها من 2024، وهو مؤشر مهم على زيادة متوسط الإقامة والإنفاق.

هذا النمو في قطاع السياحة المصرية، يعكس قوة استراتيجية الدولة في استهداف 30 مليون سائح بحلول عام 2028، ما يعني أن السياحة بدأت تتحول فعليا إلى أحد أعمدة الاستقرار المالي للاقتصاد الوطني.

هل تقلب المؤشرات الاقتصادية موازين التفاوض مع صندوق النقد الدولي؟

قطر على خطى الإمارات.. صفقة خليجة وشيكة

بعد صفقة إماراتية قياسية بقيمة 35 مليار دولار لتطوير الساحل الشمالي في أوائل 2024، تجري قطر محادثات متقدمة مع مصر لضخ استثمارات جديدة بقيمة 3.5 مليار دولار في مشروع سياحي على ساحل البحر المتوسط.

وبحسب تقارير دولية، فإن الصفقة مرشحة للتوقيع قبل نهاية 2025، وتعد امتدادا للدور الخليجي في دعم الاقتصاد المصري، وتأكيدا على الثقة الإقليمية في استقرار بيئة الاستثمار داخليًا، وهذه التدفقات المحتملة تأتي في توقيت حساس، وتمنح القاهرة مرونة تمويلية أوسع، وقدرة أعلى على التفاوض مع المؤسسات الدولية.

قناة السويس.. مؤشرات قوية على تعافي الإيرادات

ورغم التوترات في البحر الأحمر، تواصل قناة السويس أداءها بصلابة، فبحسب توقعات صندوق النقد الدولي، سترتفع إيرادات القناة تدريجيا من 6.3 مليار دولار في 2025/2026 إلى 11.9 مليار دولار بحلول 2029/2030، بنسبة نمو تقترب من 89%.

في الوقت نفسه، دخل مشروع التوسعة الجديد للقناة حيز التنفيذ منذ الربع الأول من 2025، ما رفع الطاقة الاستيعابية اليومية من 6 إلى 8 سفن إضافية، وزاد من مرونة القناة في مواجهة الأزمات.

كما تضيف الخدمات الجديدة التي تم إدخالها ـ كالإسعاف البحري، ومكافحة التلوث، وخدمة الوقود ـ مزيدا من التنافسية للممر الملاحي، في وقت تبدي فيه شركات الشحن العالمية استعدادها للعودة إلى المسار المصري مع تحسن الأوضاع الأمنية.

هل تقلب المؤشرات الاقتصادية موازين التفاوض مع صندوق النقد الدولي؟

مراجعة سبتمبر.. مصر على أرض صلبة

ومع اقتراب المراجعتين الخامسة والسادسة، تدخل مصر الاختبار الأهم في مسار علاقتها بصندوق النقد، لكن الفارق هذه المرة أن الحكومة لا تأتي فقط بأوراق إصلاحية، بل بأداء اقتصادي ميداني يتحرك في الاتجاه الصحيح، وإن كان بوتيرة متباينة.

ورغم الضغوط المعلنة من الصندوق بشأن ملف الطروحات، فإن امتلاك القاهرة لمصادر تمويل ذاتية من التحويلات، والصادرات، والسياحة، والاستثمارات، وقناة السويس، يجعلها طرفا فاعلا، يقف على أرض صابة، في رسم شروط الشراكة مع صندوق النقد الدولي.