صدمة التضخم تدفع الفيدرالي الأمريكي لقرار مصيري.. هل حان وقت خفض الفائدة؟

في ظل مشهد اقتصادي عالمي متقلب، تتجه الأنظار نحو الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي يقف على مفترق طرق حاسم، وتقارير التضخم الأخيرة، التي أشارت إلى تباطؤ وتيرة ارتفاع الأسعار، أعادت إشعال النقاش حول مصير أسعار الفائدة.
ومع تصاعد المخاوف من تباطؤ سوق العمل وتزايد الضغوط الاقتصادية، يجد الفيدرالي نفسه أمام قرار مصيري: هل يخفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو، أم يواصل سياسته الحذرة لتجنب إعادة إشعال التضخم؟.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض أحدث التطورات، لتسليط الضوء على التحديات التي تواجه الفيدرالي وتأثيرها المحتمل على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
تباطؤ التضخم إشارة إيجابية أم فخ اقتصادي؟
وأظهرت بيانات التضخم الأخيرة، التي نشرها مكتب إحصاءات العمل الأمريكي خلال الشهر الجاري، انخفاض معدل التضخم السنوي إلى 2.7%، وهو أقل من التوقعات التي كانت تشير إلى 2.8%.
وهذا التباطؤ، الذي جاء مدعومًا بانخفاض أسعار الطاقة واستقرار أسعار السلع الأساسية، أثار تفاؤلًا حذرًا في الأسواق.
ووفقًا لتقرير صادر عن معهد السياسات العامة في كاليفورنيا، فإن معدل التضخم الحالي يمثل ثلث ما كان عليه خلال ذروة الأزمة التضخمية في 2022، مما يعكس نجاح الفيدرالي في كبح جماح ارتفاع الأسعار.
ولكن هذا التباطؤ لا يخلو من تحديات، فبينما يشير انخفاض التضخم إلى استقرار نسبي، فإن تقرير التضخم الأساسي (الذي يستثني الطاقة والغذاء) جاء أعلى من التوقعات عند 3.3%، مما يشير إلى ضغوط تضخمية مستمرة في قطاعات مثل الخدمات والسلع المستوردة.
وهذا التناقض يضع الفيدرالي في موقف صعب، حيث يتعين عليه تحقيق توازن بين دعم النمو الاقتصادي ومنع التضخم من الارتداد مجددًا.
إشارات ضعف سوق العمل تدق أجراس الإنذار
وإلى جانب التضخم، تبرز سوق العمل كعامل حاسم في قرارات الفيدرالي، وتقرير الوظائف لشهر يوليو 2025، الذي صدر في أغسطس، كشف عن إضافة 73,000 وظيفة فقط، وهو أقل من توقعات المحللين البالغة 100,000 وظيفة.
كما تم تعديل أرقام الوظائف لشهري مايو ويونيو بانخفاض قدره 258,000 وظيفة، مما يعزز المخاوف من تباطؤ سوق العمل، حيث ارتفع معدل البطالة إلى 4.2%، وهو مؤشر على تراجع الطلب على العمالة، مما دفع رئيس الفيدرالي، جيروم باول، إلى الإشارة إلى "مخاطر تراجع سوق العمل" في مؤتمره الصحفي في يوليو.
وهذه البيانات عززت توقعات الأسواق بأن الفيدرالي قد يخفض أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل يومي 16 و17 سبتمبر 2025.
ووفقًا لأداة CME FedWatch، ارتفعت احتمالات خفض الفائدة بنسبة 0.25% إلى 85%، بل إن بعض المحللين، بما في ذلك وزيرة الخزانة الأمريكية، دعوا إلى خفض أكبر بمقدار 0.50% لمواجهة التحديات الاقتصادية.

الرسوم الجمركية والتضخم الراكد
وعلى الرغم من التفاؤل الحذر، تبقى هناك مخاطر كبيرة، وتحذيرات من دخول الاقتصاد الأمريكي مرحلة "التضخم الراكد" بدأت تتصاعد، خاصة مع اقتراحات فرض رسوم جمركية جديدة.
وهذه الرسوم، التي قد ترفع أسعار السلع المستوردة، تهدد بزيادة الضغوط التضخمية، مما يحد من قدرة الفيدرالي على خفض الفائدة دون إثارة موجة تضخم جديدة.
وعلاوة على ذلك، تظل أسواق الإسكان تحت ضغط كبير، ووفقًا لتقرير صادر عن Quartz، فإن سوق الإسكان الأمريكي يشهد تباطؤًا ملحوظًا، مع انخفاض أسعار المنازل بنسبة 0.12% في مارس 2025، وهو أول انخفاض منذ يناير 2023.
وارتفاع معدلات الرهن العقاري إلى حوالي 7%، إلى جانب مخاوف من الرسوم الجمركية، أدى إلى تراجع الطلب، مما دفع مدير وكالة تمويل الإسكان الفيدرالية، ويليام بولت، إلى حث الفيدرالي على خفض الفائدة لدعم السوق.
رهانات مرتفعة على خفض الفائدة
وتعكس توقعات الأسواق حالة من التفاؤل الممزوج بالحذر، فقد ارتفعت احتمالات خفض الفائدة في سبتمبر إلى 94% بعد صدور بيانات التضخم الأخيرة، مقارنة بـ80% قبل التقرير.
كما يتوقع المحللون أن يصل نطاق سعر الفائدة الفيدرالية إلى 3.75-4.00% بحلول نهاية العام إذا استمر الفيدرالي في خفض الفائدة بمقدار 0.25% في كل من اجتماعي سبتمبر وأكتوبر.
قرارات حاسمة في زمن اللايقين
ويواجه الاحتياطي الفيدرالي معضلة اقتصادية معقدة، فمن جهة يشير تباطؤ التضخم وتراجع سوق العمل إلى ضرورة خفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو.
ومن جهة أخرى، فإن مخاطر التضخم الراكد والرسوم الجمركية المحتملة تحد من هامش المناورة، ومع اقتراب اجتماع سبتمبر، ستكون الأنظار متجهة نحو جيروم باول وفريقه لمعرفة ما إذا كان الفيدرالي سيختار تحفيز الاقتصاد أم الحفاظ على سياسة حذرة.
وقرارات الفيدرالي لن تؤثر على الاقتصاد الأمريكي فحسب، بل سيكون لها انعكاسات عميقة على الأسواق العالمية، مما يجعل هذا الخريف موسمًا حاسمًا للاقتصاد العالمي.