باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
السبت 25 أكتوبر 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير التنفيذي
أحمد لطفي
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير التنفيذي
أحمد لطفي
تحليل

الخبير المصرفي هاني عادل يكتب..انا والدولار وهواك

الثلاثاء 17/مايو/2022 - 06:27 م
الخبير المصرفي هاني
الخبير المصرفي هاني عادل

  هارباً من زحام العمل وضغوطه ، قررت أن أغادر مكتبي طلباً لبعض الراحة و البعد عن التفكير والانشغال باللاشيء … تجولت فى شوارع القاهرة بلا هدف ، حتى وصلت تلك المقهى العتيقة بذلك الحي الشعبي ، مقهى مازلت تحتفظ بأصالة مقاهي زمان ، و يبدو على روادها اصالة وطيبة الشعب المصري وعراقته. 

  طلبت فناجانً من القهوة المحوجة و اغلقت هاتفي المحمول وجلست اتمعن فى ملامح الخلق واستمع حكاويهم و دعاباتهم ، دقائق مرت دون ما يلفت النظر ، رتابة الحياة تسيطر على الكل ، حتى دخل ذلك الحرفي ليجلس على الطاولة المجاورة و ينادى على فتى القهوة طالباً شاي خمسينه و حجر معسل ، متسائلاً "اخبار الأخضر ايه النهارده يا حماده" …    هنا انتبهت .. مستشعرات عقلي استقبلت شيء مثير يستوجب المتابعة ، ليأتي من خلفي صوت حمادة صبي القهوجي طالباً اعداد مشروبات الاسطى ابراهيم الميكانيكي و مجاوباً على سؤاله قائلاً " واحد وعشين ونص يا اسطى .. عاوز ؟ " 

  شبح ابتسامه خفيفة ارتسمت على ملامحي ، وتابعت …  أجاب الاسطى ابراهيم " مش الغرض .. انا بس عاوز اعرف وصل لكام عشان معايا قرشين كده بفكر أعينهم دولار لوقت زنقه" ، أتى صوت من تلك الطاولة في آخر المقهى يبدو عليه الحكمة قائلاً " الحق اشتري يا هيمه قبل ما يوصل 25 .. انا لسه شاري 350 من يومين بـ 20 ودلوقتي اهو وصل 21 ونص ، وبيقولوا هيولع قبل اخر الاسبوع" . 

  التفت الاسطى ابراهيم ليواجه ذلك الحكيم الجالس فى ركن المقهى و العالم بمجريات الأمور ، وبادله التحية معلقاً " والله يا استاذ حسين ما عارف اعمل ايه .. فى ناس بتقولى حطهم فى الشهادة أم 18%" ، جاوبه الاستاذ حسين بعد ان سحب نفساً عميقاً من الارجيلة مطلقاً مع الدخان الكثير من الهراء مجاوباً " يابني اشترى .. انا مدرس عربي و فاهم كويس فى الحاجات دى وبقولك اشتري .. المستقبل للدولار يا هيمه .. والشهادات دي مش مضمونة".   

اتسعت ابتسامتي من نصائح معلم الاجيال ، و تسائلت بيني و بين نفسي عن مصير تلك الاجيال التي درست على يد ذلك الاستاذ ، و قطع شرودي تلك الكحه المزعجة القادمة عن يساري لرجل فى الخمسينات من عمره يرتدى الجلباب والعمة ويجلس على مكتب ومعه ريموت التلفاز مما يؤكد أنه صاحب المقهى ، وبعد سعال لدقائق ، بصق كلماته " لامؤخذه يا استاذ حسين ، بس بصراحة انت معاك حق ، بنوكة ايه اللي نشيل فيها الفلوس ، دا الواد حمدى ابن عبده العطار كان سمع ان الواحد محمد علام اللي شغال فى شركة المقاولات اللى على الناصية مرتبة بيجيله على البتاعه اللي اسمها فيسا كارت و بيخصموا نصه كل شهر .. لا يا عم البنوك مش امان" .   

هنا تدخل حمادة بعد أن وصى على طلبات الزبائن بثقه ، ليعلن بنفس الثقة عن رأيه قائلاً " الحاج عطيه معاه حق ، دا انا عندى ابن بنت خالتى عايش فى السعوديه و بيبعت لأمه حواله كل شهر و البنك بيحولها بالسعر القليل … قولتله بلاش يابني وخليهم يبيعوا الاخضر عند عم سلامة البقال ، الرجل بيشترى بسعر عالي و مضمون"    نظر لي الاسطى ابراهيم متسائلاً " ما تحضرنا يا استاذ … رأيك ايه " ، نظر لي الجميع منتظرا رأي ذلك الغريب المتابع بشغف ، هنا تذكرت كلمات المناضل الثوري الكبير سعد باشا زغلول حينما أكد أنه "مفيش فايدة" .. و لثواني فكرت القيام ثم عدلت عن تلك الفكرة و قررت الحديث ، بدأت حديثي مخاطباً الاسطى ابراهيم قائلاً " قولي يا هيمه .. لو امك تعبانه ودواها شاحح فى السوق ، وانت عرفت تجيبه ، تخزنه ولا تديها الدوا ؟ "  فى شك جاوبنى الاسطى ابراهيم " لا مؤاخذة مش فاهم العلاقة .. بس لامؤاخذه اديهولها طبعاً دى امى "  نظرت ناحية معلم الاجيال و سألته " ممكن تقولي يا استاذ حسين انت حسابك فى بنك ايه ؟ " ، بتلقائية شديدة أجابني " بنك مصر.. اشمعنى ؟ " ، ضحكت ناظراً للمعلم عطيه معلقاً " ايه ده البنوك طلعت مضمونه اهو "    وسط ذهول الجميع ، وقفت ، و اضعا ثمن فنجان القهوة على الطاولة ، لأرحل تاركاً خلفي تساؤلات و جدال لم ارغب فى المشاركة فيه …    للأمانه .. أؤكد أن ما سلف ذكره ، ما هو إلا موقف تخيلي ، لكنه يرصد بكل حياديه كيف يتعامل المجتمع مع الازمة ، الكل يفتي ، ولا اقول يجتهد ، ولكن يفتي ، يقتنع بشيء و يحاول ينشر قناعاته بين محيطه ، حتى الفئات التى لم تتعامل يوماً بالدولار اصبحت تبيعه وتشتريه ، سعياً لربح سريع ، حتى ولو كان الثمن هو استقرار الوطن و مصالحه ، التى هى ذاتها مصالح المجتمع. 

  الكل يسعى ليربح مئات الجنيهات ، ليدفع فى المقابل الثمن بالالاف غلائاً فى الاسعار ، كل من قرأ كلمتين و سمع اشاعة ، يجتهد ليجعل منها حقيقه و واقع ، و بدلاً من تفهم الأزمة .. الكل يبحث عن الاستفادة من الأزمة ، حتى ولو على حساب الوطن.   

فى الختام ، اوجه رساله الى من لم يدرك الأمر بعض ، ربحك السريع اليوم يحمل لك خسائر غداً وبعد غد ، فأن رضيت المكسب السريع ، فأقبل الثمن الذي ستدفعه مرغماً.