أدني مستوى منذ 27 شهرا.. لماذا تراجعت أسعار الأرز في الأسواق؟
في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه مصر، شهدت أسعار الأرز تراجعًا ملحوظًا خلال العام 2025، مسجلة أدنى مستوياتها منذ نحو 27 شهرًا، أي منذ سبتمبر 2023.
وهذا التراجع يأتي مدعومًا بزيادة الإنتاج المحلي وزيادة المعروض في الأسواق، مما أثار تساؤلات حول أسباب هذا الانخفاض وإمكانية استمراره في العام المقبل 2026.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض الأسباب الرئيسية وراء هذا التراجع، بالإضافة إلى توقعات المستقبل، لنقدم صورة متكاملة تساعد القراء على فهم الديناميكيات السوقية.
أسباب تراجع أسعار الأرز في مصر خلال 2025
ويعزى التراجع الحاد في أسعار الأرز إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها الزيادة في الإنتاج المحلي خلال الموسم الأخير.
ووفقًا لمتعاملين في القطاع، بلغ إجمالي الإنتاج المعروض نحو 4.4 مليون طن، تشمل 4 ملايين طن من إنتاج الموسم الحالي، بالإضافة إلى 400 ألف طن مخزون من الموسم السابق.
وهذا المعروض الوفير ساعد على خفض الأسعار منذ بداية الموسم التسويقي في سبتمبر الماضي، حيث انخفض سعر الطن بما يتراوح بين 1500 و1800 جنيه خلال الشهرين الأخيرين.
وتراجعت أسعار الأرز الشعير (المحشوش) إلى مستويات تتراوح بين 12 و14 ألف جنيه للطن للأصناف الرفيعة والعريضة الحبة على التوالي، بينما انخفضت أسعار الأرز الأبيض من المضارب إلى 19-23 ألف جنيه حسب الجودة ونسبة الكسر.
وهذه الأسعار تمثل انخفاضًا يتجاوز 38% مقارنة بأعلى مستوى تاريخي سجل في نهاية 2023، حيث بلغ سعر الطن 21 ألف جنيه للشعير و33 ألف جنيه للأبيض.
كما أشار رئيس لجنة الأرز بالمجلس التصديري للحاصلات الزراعية، مصطفى النجاري، إلى أن المخزون المتاح يغطي احتياجات الأسواق لأكثر من 9 أشهر، مع استهلاك شهري يقارب 335 ألف طن كحد أقصى.
وبالإضافة إلى ذلك، يرجع التراجع إلى ضعف الطلب على المنتج النهائي، حيث لا تزال أسعار التجزئة مرتفعة نسبيًا لدى بعض العلامات التجارية، مما يحد من الاستهلاك.
وعلى سبيل المثال، في جولة داخل أسواق الجيزة، تبدأ أسعار الأرز السائب من 23 جنيهًا للكيلو وتصل إلى 27 جنيهًا، بينما يتراوح المعبأ بين 30 و43 جنيهًا.

من جانب آخر، أكد صاحب مضرب في الفيوم، محمد سيف، أن مخزون الموسم السابق لم ينته بعد، وأن الطلب الضعيف يرجع إلى استمرار الأسعار العالية لدى التجار، رغم انخفاض التكاليف الإنتاجية.
وهذا الوضع يعكس اختلالًا في سلسلة التوريد، حيث يتمسك بعض التجار بأسعار مرتفعة بفضل ثقة المستهلكين في علاماتهم التجارية.
التأثيرات على السوق المحلية والمزارعين
وأدى هذا التراجع إلى تأثيرات مزدوجة على السوق المحلية، من ناحية، يستفيد المستهلكون من انخفاض الأسعار، خاصة مع تباين أسعار السلع الأساسية الأخرى مثل ارتفاع السكر والزيت في ديسمبر 2025.
ووفقًا لبيانات الأسواق، انخفض سعر الأرز السائب إلى 24 جنيهًا للكيلو يوم 28 ديسمبر، بانخفاض 1.25 جنيه.
كما شهدت أسعار الأرز الشعير تراجعًا إضافيًا في أواخر ديسمبر، حيث بلغ سعر الطن للعريض الحبة 16-16.5 ألف جنيه.
ومع ذلك، يعاني المزارعون من خسائر كبيرة، حيث تجاوزت الخسارة 10 آلاف جنيه للطن في بعض الحالات، بسبب زيادة المعروض وزيادة المساحات المنزرعة.
وهذا الوضع يثير مخاوف من تراجع الإنتاج في المواسم المقبلة إذا لم تغط الأسعار التكاليف.
وبالإضافة إلى ذلك، أثر انخفاض أسعار الفائدة والتضخم في مصر على الاستقرار العام، مما ساهم في تهدئة الأسعار الزراعية.
هل يستمر الإنخفاض في 2026؟
ويتوقع الخبراء استمرار الاتجاه الهبوطي لأسعار الأرز في مصر خلال 2026، مدعومًا بتوقعات عالمية تشير إلى تراجع الأسعار حتى أوائل العام بسبب وفرة المعروض العالمي.
وبحسب تقديرات مؤسسات بحثية، من المرجح أن يستمر الهبوط حتى 2026 ما لم تطرأ عوامل مفاجئة مثل تغيرات مناخية أو سياسات تصديرية.
وفي مصر، يتوقع النجاري أن تظل الأسعار هادئة طوال العام، مع تراوح سعر الشعير الرفيع بين 12-13 ألف جنيه، والعريض لا يتجاوز 15 ألف جنيه.
وعالميًا، تشير التوقعات إلى نمو في الاستهلاك لكنه أقل من الإنتاج الوفير، مما يدعم التراجع.
كما أن عودة الهند إلى تصدير الأرز وزيادة الإنتاج في تايلاند وفيتنام ساهمت في خفض الأسعار العالمية، والتي قد تنعكس على مصر.
ومع ذلك، يحذر بعض الخبراء من ارتفاع تكاليف الإنتاج، مما قد يحد من الاستمرارية إذا لم تدعم الحكومة المزارعين.
ويمثل تراجع أسعار الأرز في مصر فرصة للمستهلكين لكن تحديًا للمزارعين، مع توقعات باستمرار الإنخفاض في 2026 مدعومًا بالمعروض الوفير محليًا وعالميًا.
ويتطلب الأمر تدخلات حكومية لضمان توازن السوق، مثل دعم التصدير أو تنظيم الإنتاج، مع تطورات الاقتصاد المصري، من المتوقع أن يساهم هذا الاستقرار في خفض التضخم الغذائي، مما يعزز الاستقرار الاقتصادي العام.


