البنك المركزي المصري يحسم قرار الفائدة الخميس المقبل.. وخبراء في استطلاع "بانكير": خفض من 1% لـ2%
مع اقتراب موعد اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، المقرر عقده يوم الخميس 25 ديسمبر 2025، والذي يمثل الاجتماع الأخير لهذا العام، يترقب الاقتصاديون والمستثمرون قراراً حاسماً قد يحدد مسار الاقتصاد المصري في الأشهر المقبلة.
يأتي هذا الاجتماع في ظل تباطؤ ملحوظ في معدلات التضخم، وزيادة في التدفقات النقدية الأجنبية، إلا أن مخاوف من عودة الضغوط التضخمية تظل قائمة، خاصة مع التأثيرات المحتملة لخروج الودائع من البنوك.
وتتباين التوقعات بين خفض محتمل لأسعار الفائدة بنسبة تتراوح بين 100 و200 نقطة أساس، وبين تثبيت الأسعار لمراقبة التطورات الاقتصادية.
وشهد الاقتصاد المصري خلال عام 2025 تحولات إيجابية ملحوظة، حيث انخفضت معدلات التضخم السنوية تدريجياً بعد ذروتها في السنوات السابقة.
ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغت معدلات التضخم الحضري السنوية 12.3% في نوفمبر 2025، بانخفاض طفيف عن 12.5% في أكتوبر السابق، مدعوماً بانخفاض أسعار الغذاء شهرياً.
كما أعلن البنك المركزي أن التضخم الأساسي الشهري سجل 0.8% في نوفمبر، مقارنة بـ0.4% في الشهر نفسه من العام الماضي.
وهذا التباطؤ يعكس جهود الحكومة في السيطرة على الأسعار، رغم التحديات مثل رفع أسعار المحروقات في وقت سابق من العام، والتي كان يتوقع أن ترفع التضخم بنسبة كبيرة، إلا أن تراجع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه ساعد في امتصاص جزء كبير من هذه التأثيرات.
وأجرى “بانكير” استطلاعًا لأراء مجموعة من الخبراء، حول توقعات سعر الفائدة الذي ستتخذه لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي الخميس المقبل.
سياسة البنك المركزي
من جانبه، حافظ البنك المركزي على سياسة نقدية حذرة خلال العام، حيث خفض أسعار الفائدة في أربع جلسات سابقة، أبريل ومايو وأغسطس وأكتوبر، بإجمالي 6.25%، ليصل سعر الإيداع الليلي إلى 21% في اجتماع نوفمبر 2025، الذي قرر فيه التثبيت لمواجهة الضغوط التضخمية المحتملة.
ويتوقع البنك ارتفاع التضخم في الربع الرابع من 2025 قبل أن ينخفض في النصف الثاني من 2026، وفقاً لتقرير السياسة النقدية للربع الثالث.
هذه التوقعات تأتي في سياق نمو اقتصادي بلغ 5.2% في الربع الثالث من 2025، مدفوعاً بتحسن في القطاعات غير النفطية.
خفض 100 إلى 200 نقطة أساس وارد
ويرى الدكتور كريم العمدة، خبير السياسات النقدية، أن الاتجاه العالمي والمحلي يدعم قرار خفض جديد لأسعار الفائدة.
وأشار إلى أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خفض سعر الفائدة بربع نقطة مئوية في آخر اجتماعاته، وهو ما يعكس اتجاهاً عالمياً نحو التيسير النقدي.

وأضاف العمدة: "محلياً، نشهد تباطؤاً واضحاً في معدل التضخم على أساس سنوي وشهري، مما يخلق مساحة لخفض الفائدة بين 100 و200 نقطة أساس في الاجتماع القادم"، ويرى أن هذا الخفض سيسهم في تحفيز الاستثمار والنمو الاقتصادي دون مخاطر تضخمية كبيرة.
خفض 100-150 نقطة أساس والحكومة أكبر مستفيد
أما الدكتور حسن هيكل، الخبير الاقتصادي والمحلل المالي، فيتوقع خفضاً بنسبة 100 نقطة أساس على الأقل، وربما تصل إلى 150 نقطة، مدعوماً بانخفاض التضخم وزيادة التدفقات النقدية الأجنبية.
وقال هيكل لـ بانكير: "الانخفاض في التضخم، إلى جانب زيادة التدفقات الأجنبية، يوفر فرصة مواتية لخفض الفائدة"، موضحًا أن قرار رفع أسعار المحروقات كان متوقعاً أن يزيد من أسعار السلع بشكل كبير، إلا أن تراجع سعر الدولار أمام الجنيه امتص جزءاً هاماً من هذه التأثيرات التضخمية.
ووفقاً لبيانات البنك المركزي، بلغت تحويلات المصريين في الخارج 33.9 مليار دولار في أول 10 أشهر من 2025، بزيادة 42.8% عن الفترة نفسها من العام السابق، مما يعزز الاحتياطيات النقدية ويقلل الضغط على العملة.

كما سلط هيكل الضوء على المستفيدين الرئيسيين من خفض الفائدة، مشيراً إلى أن الدين المحلي المصري بلغ نحو 11.06 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2025.
وأضاف: "خفض بنسبة 1% فقط في سعر الفائدة يوفر حوالي 110 مليار جنيه سنوياً في تكلفة الفوائد التي تتحملها الحكومة"، مشيرًا إلى أن هذا الخفض يشجع على الاستثمار والاقتراض من قبل المنتجين، بشرط توفير مرونة في الجهاز الإنتاجي، مثل توفير أراضي وعنابر في المناطق الحرة، وتسهيل إجراءات التأسيس والتحويل للخارج.، وهذا يأتي في وقت بلغ فيه الدين الخارجي 161.2 مليار دولار في يونيو 2025، بزيادة 5.5% عن العام السابق، مما يجعل خفض التكاليف النقدية أمراً حيوياً للحكومة.
خفض الفائدة 1% خلال الاجتماع المقبل
من جهته، قال الخبير الاقتصادي محمد البهواشي، أنه بعد فترة من التشديد النقدي، تبرز مؤشرات متزايدة ترجح أن تكون المرحلة القادمة عنوانها التيسير الحذر، مع ترجيحات بخفض الفائدة بعد تثبيتها خلال الاجتماع الماضي.
وأضاف البهواشي، في تصريحات خاصة لـ بانكير، أن السيناريو الأقرب خلال الاجتماع المنتظر يتمثل في خفض أسعار الفائدة بنحو 100 نقطة أساس، مستندًا إلى مجموعة من المعطيات التي باتت أكثر نضجًا مقارنة بالاجتماعات السابقة.
وأشار إلى أن لجنة السياسة النقدية كانت قاب قوسين أو أدنى من اتخاذ خطوة الخفض في الاجتماع السابق، غير أن الزيادة التي طرأت حينها على أسعار المحروقات فرضت قدرًا من الحذر، وأدت إلى تأجيل القرار خشية انعكاساتها التضخمية.

وأكد البهواشي على أن المشهد الاقتصادي الحالي يحمل ملامح مختلفة، أبرزها الانحسار الواضح في معدلات التضخم، وهو تطور يفتح الباب أمام إعادة ضبط السياسة النقدية، عبر تخفيف القيود وتهيئة بيئة أكثر دعمًا للنشاط الاقتصادي والاستثماري، لافتا إلى أن هذا التراجع، بحسب تقديره، لم يعد مؤقتًا أو محدود الأثر، بل بات يعكس اتجاهًا عامًا يمنح صانع القرار مساحة أوسع للتحرك.
وعلى الصعيد الخارجي، لفت إلى أن المناخ العالمي أصبح أكثر مواءمة لخفض الفائدة محليًا، خاصة مع ميل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى تبني مسار خفض أسعار الفائدة، وهذا التوجه العالمي يقلل من حساسية الأسواق لتحركات الفائدة في الاقتصادات الناشئة، ويحد من احتمالات تعرض تدفقات الاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل لضغوط حادة، حتى في حال خفض الفائدة محليًا بنسبة 1%.
أما على مستوى المؤشرات النقدية، فيرى البهواشي أن التحسن الملحوظ في عدد منها يشكل عنصر دعم إضافيًا لقرار الخفض، وفي مقدمتها ارتفاع الحصيلة الدولارية، وتراجع مستويات الدولار، إلى جانب تعافي قيمة الجنيه، وهي تطورات تعكس درجة أعلى من الاستقرار النسبي في سوق النقد، وتمنح صانع السياسة النقدية ثقة أكبر في اتخاذ قرار التيسير دون مخاطر مفرطة.
واختتم البهواشي تصريحاته بالتأكيد على أن تلاقي هذه العوامل، داخليًا وخارجيًا، يجعل من سيناريو خفض أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس الخيار الأكثر ترجيحًا خلال الاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية، باعتباره خطوة محسوبة تعكس قراءة متوازنة لمجمل التطورات الاقتصادية.
الخفض بين 50 و100 نقطة أساس
أما الخبير الاقتصادي أحمد خطاب، عضو مجلس الأعمال المصري الكندي، أكد أنن البنك المركزي بات يمتلك مساحة مريحة لاتخاذ قرار خفض أسعار الفائدة خلال الاجتماع المنتظر، مرجحا أن يتراوح الخفض بين 50 و100 نقطة أساس، أي ما يعادل من نصف نقطة مئوية إلى نقطة مئوية كاملة، في ضوء تحسن نسبي في عدد من المؤشرات الأساسية.
وأضاف خطاب، في تصريحات خاصة لـ بانكير إلى أن البيئة الخارجية باتت أكثر دعمًا لهذا التوجه، خاصة عقب قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، معتبرًا أن هذا التحرك يمنح الأسواق الناشئة، ومن بينها مصر، قدرًا أكبر من المرونة في إدارة سياساتها النقدية دون التعرض لضغوط حادة، موضحا أن الاقتصاد المصري لا يعمل بمعزل عن النظام المالي العالمي، بل يتأثر بشكل مباشر باتجاهاته العامة.

وعلى المستوى المحلي، أشار خطاب إلى أن الدولة أطلقت خلال الفترة الأخيرة حزمة من المبادرات الهادفة إلى تعميق الصناعة، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب مبادرات موجهة لقطاعي الصناعة والسياحة، خاصة ما يتعلق بالفنادق والمنشآت السياحية.
وأوضح عضو مجلس الأعمال المصري الكندي، أن نجاح هذه المبادرات يتطلب بيئة تمويلية أكثر مرونة، وهو ما يجعل خفض أسعار الفائدة أداة مهمة لتحفيز الإقراض وتعظيم العائد الاقتصادي من هذه المشروعات، مشيرا إلى استقرار معدلات التضخم واتجاهها الواضح نحو التراجع خلال الشهور الماضية يمثل عاملًا حاسمًا يدعم سيناريو الخفض.
وأضاف خطاب أن حصول مصر على تمويلات مرتقبة من البنك الدولي، إلى جانب النظرة المستقبلية المستقرة التي منحتها مؤسسات دولية للاقتصاد المصري عند مستوى B+، يعكس درجة أعلى من الثقة في مسار الاقتصاد الكلي، ويعزز الحاجة إلى تنشيط السوق المحلي خلال المرحلة المقبلة.
وأختتم خطاب تصريحاته بالتأكيد على أن خفض أسعار الفائدة لم يعد خيارًا ترفيهيا، بل بات ضرورة لدعم دوران عجلة الاقتصاد، وتنشيط القطاعات الحيوية، وعلى رأسها الصناعة والسياحة والعقارات، مشيرا إلى أن هذه الخطوة من شأنها رفع معدلات النمو الاقتصادي من نحو 4.5% إلى مستويات تتراوح بين 5.5% و6%، مؤكدًا أن الاقتصادات النامية، ومنها مصر، لا يمكن أن ينعكس تحسن أوضاعها على مستوى معيشة المواطنين دون تحقيق نمو مرتفع ومستدام.
التثبيت هو الخيار الأكثر أماناً
من جهته، أعرب الدكتور سمير رؤوف، الخبير الاقتصادي، عن توقعه بتثبيت أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل.
وأوضح رؤوف لـ "بانكير"، أن الاقتصاد المصري يشهد ظهور علامات تضخم جديدة، مما يجعل خفض الفائدة مخاطرة غير محسوبة.

وقال: "نحن أمام تضخم بدأ يظهر بوضوح، وإذا انخفضت فوائد الشهادات الادخارية، فمن المتوقع خروج كميات كبيرة من الأموال من البنوك، مما قد يعيد تشغيل عجلة التضخم مرة أخرى".
وأضاف أن اللجنة ستفضل التثبيت على الأقل لمراقبة تأثير خروج الودائع في يناير 2026، مشيراً إلى أن الحفاظ على الاستقرار النقدي أولوية في ظل التحديات الحالية.
تراجع معدلات التضخم تدعم الخفض
وتوقع الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد الشامي أن يتجه البنك المركزي إلى خفض أسعار الفائدة خلال اجتماع ديسمبر بواقع 100 إلى 150 نقطة أساس، مستندًا إلى تراجع معدلات التضخم على المستويين الشهري والسنوي، إلى جانب التحسن الملحوظ، في قيمة الجنيه المصري، بدعم من زيادة تدفقات النقد الأجنبي.
وأوضح الشامي لـ "بانكير"، أن تحسن سعر الصرف يعد أحد أهم مؤشرات استعادة التوازن النقدي، مشيرًا إلى أن المعدل الطبيعي للتضخم يدور حول 10%، وهو ما يفتح المجال أمام خفض تدريجي للفائدة دون الإضرار باستقرار السوق.

وأضاف أن تراجع الدولار عالميًا، واتجاه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نحو خفض أسعار الفائدة، يقللان من الضغوط الخارجية على السياسة النقدية المصرية، ويمنحان البنك المركزي مساحة أوسع لاتخاذ قرارات تيسيرية.
وأكد الشامي أهمية استمرار طرح أوعية ادخارية بعوائد مرتفعة نسبيًا، حتى لا تتأثر مدخرات المواطنين بخفض الفائدة، لافتًا إلى أن النهج الذي تبناه محافظ البنك المركزي حسن عبد الله في هذا الملف أثبت نجاحه وظهرت نتائجه بشكل ملموس.
وأشار إلى أن خفض الفائدة سيسهم في دعم التنمية الصناعية وتشجيع الاستثمار، من خلال تقليل تكلفة التمويل على الشركات والمشروعات الجديدة، خاصة في ظل النظرة الإيجابية لتوقعات الاقتصاد المصري خلال السنوات الخمس المقبلة.
وتوقع الدكتور أحمد الشامي أن يشهد عام 2026 استمرار التحسن التدريجي في المؤشرات الاقتصادية، مع استهداف وصول سعر الفائدة الحقيقي في مصر إلى نحو 8.5% – 9%، بما يخفف الأعباء التمويلية على الاستثمارات الجديدة، ويدعم المستثمرين المصريين، خاصة في القطاع العقاري، ويسهم في تهدئة الارتفاعات السعرية التي شهدها السوق خلال الفترات الماضية.
خفض من 1% إلى 2%
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة إن توقعاته تميل إلى خفض جديد لأسعار الفائدة يتراوح بين 1% و2%، موضحًا أن أسعار الفائدة لا تزال عند مستويات إيجابية، رغم وجود مبررات قوية للخفض، في مقدمتها دعم المستثمرين والحد من تباطؤ النشاط الاقتصادي.

وأضاف بدرة لـ "بانكير"، أن لجنة السياسة النقدية لديها اعتبارات متعددة قد تدفعها إلى التثبيت أو الخفض، إلا أن المعطيات الحالية ترجح كفة الخفض، خاصة بعد الاجتماعات الأخيرة التي جمعت محافظ البنك المركزي ووزير المالية ورئيس مجلس الوزراء مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأوضح أن خفض الفائدة بنسبة 1% يوفر على الموازنة العامة للدولة ما بين 70 و80 مليار جنيه من تكلفة خدمة الدين، مؤكدًا أن الخفض المرتقب قد يسهم في إنهاء حالة الركود التي يشهدها قطاعا السيارات والعقارات.
