الصين تمتص فائض النفط العالمي عبر توسّع ضخم في التخزين وسط تباطؤ نمو الطلب
تواصل الصين تعزيز حضورها المحوري في سوق النفط العالمية عبر تكثيف عمليات شراء الخام وتخزينه بوتيرة متسارعة، في وقت تعاني فيه السوق من تخمة معروض ناجمة عن عودة الإمدادات من منتجي «أوبك+» وزيادة الإنتاج من دول أخرى. وبحسب محللين في بنوك ومؤسسات بحثية دولية، فإن بكين تنفّذ خلال عام 2025 واحدة من أكبر موجات التخزين في تاريخها، مع توقعات باستمرار التوسع خلال العام المقبل بوتيرة قد تصل إلى 260 مليون برميل إضافية.
ورغم أن مستوى مخزون الصين الاستراتيجي يُعدّ من الأسرار التي لا تكشفها الحكومة رسمياً، فإن شركات تحليل بيانات الطاقة تُقدّر أن إجمالي السعة التخزينية – بما يشمل المخازن التجارية والاستراتيجية – وصل إلى نحو ملياري برميل. وتشير تقديرات «إنرجي أسبكتس» إلى أن نصف هذه السعة فقط مستخدم حالياً، ما يمنح الصين مساحة واسعة لاستيعاب المزيد من البراميل في مرحلة تشهد فيها الأسعار العالمية ضغوطاً هبوطية.
مشتريات ضخمة تدعم الأسعار عالميًا
أسهمت مشتريات الصين المكثّفة من النفط خلال العام الجاري في تخفيف أثر الفائض العالمي، إذ تشير بيانات «إف جي إي نيكسانت إي سي إيه» و«سيتي غروب» إلى أن وتيرة بناء المخزون تجاوزت في بعض الأشهر 900 ألف برميل يومياً. وفي حال أصدرت بكين تفويضاً حكومياً جديداً لزيادة مخزونها الاستراتيجي خلال النصف الثاني من العام المقبل، فقد ترتفع وارداتها الفعلية إلى مستويات تفوق التوقعات البالغة حالياً 11.4 مليون برميل يومياً.
وتعمل الصين بموجب توجيه سابق على شراء ما يصل إلى 140 مليون برميل لمخزونها الاستراتيجي بين أكتوبر ومارس، بشرط بقاء الأسعار دون حاجز 80 دولاراً للبرميل. ومع تداول خام برنت حول 62 دولاراً حالياً، فإن الظروف تبدو مواتية لتوسيع التخزين بصورة أكبر.
تباطؤ نمو الطلب.. عامل موازٍ
ورغم أن وتيرة التخزين المرتفعة تجذب أغلب اهتمام السوق، إلا أن جانباً آخر من الصورة يثير القلق لدى المحللين، وهو تباطؤ نمو الطلب الصيني على النفط. فقد بدأت وتيرة استهلاك الخام تتراجع منذ عام 2024، بعد فترة انتعاش قوية أعقبت رفع قيود كورونا. ووفق استطلاع «بلومبرغ»، فإن توقعات نمو الطلب للعام المقبل لا تتجاوز 150 ألف برميل يومياً، وهي وتيرة أدنى بكثير من المتوسط التاريخي.
العوامل الأساسية لهذا التباطؤ تشمل التوسع السريع في أسطول المركبات الكهربائية، إضافة إلى إعادة هيكلة صناعة التكرير الصينية لتلبية أهداف بيئية واقتصادية. ويبرز ضمن هذه الجهود مشروع التكرير والبتروكيماويات الضخم الذي تنفّذه «أرامكو السعودية» مع شركاء صينيين، والذي من المتوقع أن يبدأ العمل خلال 2026، مما يعزز قدرة الصين على المعالجة دون رفع مستويات الاستهلاك.
السوق العالمية بانتظار تأثيرات 2026
تشير تحليلات شركات مثل «أويل إكس» إلى أن استمرار الصين في امتصاص الفائض العالمي عبر التخزين قد يخفف تقلبات الأسعار خلال 2025–2026، خصوصاً مع وجود سعات تخزينية كبيرة غير مستخدمة. لكن الاتجاه طويل المدى لطلب الصين – باعتبارها أكبر مستورد للنفط في العالم – يشكل عاملاً حاسماً في تحديد ملامح السوق خلال السنوات المقبلة.
وتقول يي لين، نائب رئيس أسواق النفط في «ريستاد إنرجي»، إن «المسار لا رجعة عنه»، مشيرة إلى أن تباطؤ نمو الطلب الصيني سيستمر في 2026 بفعل انتشار السيارات الكهربائية وتحوّل هيكل الصناعة.
