الصين تسجل أعلى تضخم في 21 شهرًا رغم استمرار انكماش أسعار المنتجينالعالم
سجّلت الصين ارتفاعًا جديدًا في معدل التضخم الاستهلاكي خلال نوفمبر 2025، ليصل إلى أعلى مستوى له في 21 شهرًا، وفق بيانات رسمية صدرت اليوم، في وقت تواصل فيه أسعار المنتجين انكماشها الممتد منذ ثلاث سنوات. ويكشف هذا التباين بين اتجاهات الأسعار استمرار الضغوط الانكماشية على ثاني أكبر اقتصاد في العالم، رغم السياسات التحفيزية الواسعة التي تتبنّاها بكين لدعم الطلب المحلي.
وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.7% على أساس سنوي خلال نوفمبر، متوافقًا مع توقعات المحللين، بعدما سجّل زيادة بسيطة بلغت 0.2% في أكتوبر. ويعود هذا الارتفاع بدرجة كبيرة إلى تحسّن أسعار الغذاء التي صعدت بنحو 0.2% مقارنة بتراجع 2.9% في الشهر السابق. ورغم هذا التحسن، ظل التضخم الأساسي – الذي يستبعد أسعار الغذاء والطاقة – ثابتًا عند مستوى 1.2%، مما يشير إلى أن الضغوط التضخمية العامة لا تزال محدودة، وأن الطلب المحلي لم يتعافَ بصورة كاملة.
أما على أساس شهري، فقد تراجع مؤشر المستهلكين بنسبة 0.1%، ما يعكس تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي مع نهاية العام، وتراجع زخم المشتريات الموسمية، واستمرار حذر المستهلكين في ضوء أوضاع سوق العمل والضغوط العقارية.
انكماش أسعار المنتجين يتواصل للعام الثالث
ورغم صعود التضخم الاستهلاكي، فإن الصورة تبدو مختلفة تمامًا عند مستويات الإنتاج. فقد أظهرت البيانات استمرار انكماش أسعار المنتجين للشهر السادس والثلاثين على التوالي، حيث تراجع المؤشر بنحو 2.2% على أساس سنوي خلال نوفمبر، مقارنة بانخفاض 2.1% في أكتوبر. ويعكس هذا الانكماش الطويل ضعفاً عميقاً في الطلب الصناعي وتراجع أسعار مواد الخام، فضلاً عن تخمة المعروض لدى المصانع.
ورغم الانخفاض السنوي، سجّل المؤشر ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.1% على أساس شهري، في إشارة محدودة إلى تحسن تدريجي في بعض الأنشطة الصناعية، لكن دون ما يكفي لإيقاف الاتجاه الانكماشي المستمر.
ووفقًا للمحلل زافير وونغ من شركة eToro، فإن هذه الأرقام تمثل «اقتصادًا يبدو دافئًا من الخارج لكنه يواجه برودة شديدة في الداخل»، مضيفًا أن المصانع الصينية تخفض الأسعار للتخلص من المخزونات المتراكمة، في ظل ضعف الطلب المحلي وتمسّك المستهلكين بسلوك إنفاق حذر.
وتشير بيانات استهلاك السلع الاستهلاكية سريعة الدوران إلى استمرار هذا الضعف، حيث ارتفع الإنفاق عليها منذ بداية العام بنسبة 1.3% فقط، مدعومًا بانخفاض متوسط الأسعار بنسبة 2.4%، حسب تقرير صادر عن «بين آند كو» Bain & Co، وهو ما يعكس رغبة المستهلكين في الشراء بأسعار مخفضة وسط تباطؤ الدخل وزيادة الضغوط الاقتصادية.
تحديات هيكلية وسياسات تحفيزية متوقعة
ورغم أن الصين في طريقها لتحقيق هدف النمو السنوي البالغ «نحو 5%»، مدعومة بقوة الصادرات والسياسات المالية الداعمة، إلا أن التحديات الهيكلية ما زالت تقف أمام تعافٍ متين، وعلى رأسها أزمة سوق العقارات، وارتفاع بطالة الشباب، وضعف الاستهلاك المحلي.
وفي هذا السياق، تشير التوقعات إلى أن الحكومة الصينية ستزيد من وتيرة التحفيز المالي والنقدي خلال 2026، خاصة بعد تعهّد المكتب السياسي للحزب الحاكم (البوليتبورو) بتوسيع الطلب المحلي كأولوية في السنة الأولى من الخطة الخمسية الجديدة.
وقال لين سونغ، كبير اقتصاديي منطقة الصين الكبرى في بنك ING، إن المرحلة المقبلة قد تشهد «موجة جديدة من الدعم»، متوقعًا خفض أسعار الفائدة بنحو 20 نقطة أساس خلال 2026 لتعزيز الإقراض والإنفاق.
