عوائد السندات تقفز لأعلى مستوى منذ 16 عاما مع قرب نهاية التيسير النقدي
سجلت عوائد السندات الحكومية العالمية قفزة إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2009، قبيل اجتماع مرتقب لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، في ظل مخاوف من اقتراب نهاية دورة التيسير النقدي، من الولايات المتحدة إلى أستراليا.
أظهرت بيانات مؤشر "بلومبرج" لعوائد السندات طويلة الأجل رجوع هذه العوائد إلى أعلى مستواها منذ 16 عاما، كما أن رهانات أسواق المال تعكس هي الأخرى هذا التحوّل في المزاج العام، فالمتداولون باتوا يستبعدون أي خفض إضافي للفائدة من البنك المركزي الأوروبي، ويرجحون رفعا شبه محسوم للفائدة هذا الشهر في اليابان، إلى جانب زيادتين بواقع ربع نقطة مئوية في أستراليا خلال 2026.
نهاية التيسير النقدي تلوح في الأفق
حتى في الولايات المتحدة، حيث يُتوقع أن يقدم الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة هذا الأسبوع، تتبدّل التوقعات بوتيرة متسارعة. فقد ارتفعت عوائد سندات الخزانة لأجل 30 عاماً إلى أعلى مستوياتها منذ عدة أشهر، في ظل ترقب المستثمرين لمسار أقل تيسيراً للسياسة النقدية، ومخاطر متزايدة على صعيد التضخم والانضباط المالي.
قال روبرت تيب، كبير استراتيجيي الاستثمار ورئيس السندات العالمية في "بي جي أي إم للدخل الثابت" إن ما وصفه بـ"صفقة الخيبة" تتكشّف في عدد من الأسواق المتقدمة، مع إدراك المستثمرين لاقتراب البنوك المركزية من إنهاء دورات التيسير النقدي.
وأضاف أن أسعار الفائدة على السندات الأمريكية طويلة الأجل تواجه هي الأخرى تحديات، مع احتمال اقتراب نهاية دورة التيسير التي يقودها الفيدرالي.
تعكس التحولات الأخيرة في الأسواق قناعة متزايدة بأن دورة خفض الفائدة التي بدأت العام الماضي لتحفيز النمو، وأسهمت في دفع الأسهم العالمية إلى مستويات قياسية وتعزيز أسعار السندات، توشك على نهايتها.
وبات مستثمرو السندات يعيدون تقييم آفاق النمو العالمي، ويدرسون المخاطر التضخمية في ظل حرب الرئيس الأميركي دونالد ترمب التجارية، وارتفاع مستويات الدين الحكومي من طوكيو إلى لندن.
كانت ارتفعت عوائد السندات في اليابان والمملكة المتحدة وألمانيا إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات، مع تعرّض السندات الأطول أجلا للضغوط الأكبر، في ظل سعي المستثمرين إلى عوائد أعلى تعوّضهم عن الاحتفاظ بأصول أكثر عرضة للمخاطر.
الأنظار على ما بعد باول
تتجه الأنظار إلى سوق السندات الأميركية قبل ساعات من اجتماع مرتقب للاحتياطي الفيدرالي، حيث من المرجح أن يعلن صانعو السياسات عن ثالث خفض متتال للفائدة، وتحوم عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات عند مستويات هي الأعلى منذ سبتمبر، في ظاهرة غير معتادة تعكس قلق الأسواق من اتساع العجز في الدين العام الأميركي، وممّن سيخلف جيروم باول في رئاسة الفيدرالي مع انتهاء ولايته في مايو المقبل.
ويبرز اسم كيفن هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني في البيت الأبيض، كأبرز المرشحين حاليا، ويُنظر إليه على نطاق واسع كداعم لتوجّه الرئيس ترامب نحو سياسة خفض الفائدة.
كتب جوردون شانون، مدير المحافظ في شركة "توينتي فور لإدارة الأصول": "رأينا تسعيراً وفق ‘صفقة هاسيت‘ في الأيام الأخيرة، مع تراجع الدولار، وتوسع منحنى العائد، وصعود الأصول عالية المخاطر". لكنه أضاف أن الأسواق لا تزال مترددة في المضي بعيداً بهذا الاتجاه. فحتى في ظل قيادة هاسيت، فإن استمرار التضخم قد يقيد الفيدرالي.
في الوقت الحالي، تشير أسواق السندات إلى أن ضغوط تكاليف الاقتراض ستبقى قائمة، فالمشرعون الألمان يستعدون لإقرار طلبيات دفاعية بكلفة قياسية تبلغ 52 مليار يورو (نحو 61 مليار دولار) الأسبوع المقبل، فيما لا يزال المستثمرون يتفاعلون مع أضخم حزمة إنفاق حكومي في اليابان منذ رفع قيود الجائحة.
أما في أستراليا، فقد استبعدت حاكمة البنك المركزي ميشيل بولوك عملياً خفض الفائدة، وقد دفع التحول السريع في توقعات السياسة النقدية عوائد السندات الأسترالية إلى تسجيل أعلى مستوى بين الأسواق المتقدمة.
قالت آيمي شي باتريك، رئيسة استراتيجيات الدخل في شركة "بيندال جروب" لإدارة الأموال "إن هذا التغير في العوائد يعكس توقعات بنمو اقتصادي أقوى، في ظلّ ترجيحات بأن العالم سيشهد سياسات مالية توسعية بدرجة أكبر خلال العام المقبل".
