كابوس الانتظار.. كيف يقتل بطء بنك البركة ثقة ملايين العملاء
في الوقت الذي تتسابق فيه البنوك المصرية لتقديم تجربة مصرفية فورية وخالية من التعقيدات، يجد بنك البركة نفسه تحت وابل من الانتقادات الحادة بسبب بطء خدماته، سواء داخل الفروع أو عبر القنوات الرقمية.
ورغم إعلان البنك عن صافي ربح قياسي بلغ 2.97 مليار جنيه مصري في الربع الثالث من العام الحالي، فإن هذا الإنجاز المالي لم ينجح في إسكات صوت العملاء الغاضبين الذين يرون أن الأرقام اللامعة على الورق لا تعكس الواقع اليومي المحبط.
موجة شكاوى لا تهدأ على مدار العام
ومنذ بداية 2025، تصاعدت الشكاوى بشكل ملحوظ على منصات التواصل الاجتماعي، وتحولت الصفحات الرسمية للبنك ومجموعات العملاء إلى سجل يومي للتذمر.
والعملاء يتحدثون عن انتظار يصل إلى ساعات داخل الفروع لإتمام عمليات بسيطة، وعن تطبيق موبايل بنكي يتعطل باستمرار، وعن خدمة عملاء هاتفية تحتاج أحيانًا إلى أكثر من عشر مكالمات حتى يتم الرد.
وأكثر من خمسين شكوى موثقة ظهرت بين مايو وأكتوبر فقط، وكان معظمها متطابقًا في وصف واحد: "البنك بطيء جدًا في كل شيء"، والثمن الحقيقي، تراجع الودائع وفقدان الجيل الشابهذا البطء لم يعد مجرد إزعاج شخصي، بل بدأ يترك أثره على الأداء المالي نفسه.
وقد انخفضت ودائع المؤسسات بنسبة 10.7% لتصل إلى 39.18 مليار جنيه فقط، وهو مؤشر واضح على أن بعض العملاء الكبار بدأوا فعليًا في نقل أموالهم إلى بنوك أكثر سرعة ورقمنة.
أما الشريحة الشابة، التي تمثل مستقبل أي بنك، فتصف ستون بالمئة منهم تجربتهم مع بنك البركة بأنها الأسوأ بين كل البنوك التي يتعاملون معها.

خطط طموحة وتنفيذ متعثر
والبنك ليس غافلاً عن المشكلة، فقد أعلن خلال العام عن خطة طموحة تشمل إضافة مائة ماكينة صراف آلي جديدة، وافتتاح تسعة فروع جديدة، وتطوير تطبيق الموبايل، وإطلاق خدمة الشات بوت وواتساب للأعمال، بل والوصول إلى فرعين رقميين بالكامل في القاهرة والإسكندرية قبل نهاية 2025.
كما خصص نحو نصف مليار جنيه للتحول الرقمي حتى 2028، ويطمح إلى أن يصبح نصف عملائه نشطين رقميًا بحلول 2027.
ولكن المشكلة الأساسية تكمن في الفجوة بين الإعلان والتنفيذ. فحتى اليوم، لا يزال عدد الفروع لا يتجاوز الأربعين على مستوى الجمهورية، ولا يزال التطبيق يحصد تقييمات منخفضة جدًا على متاجر التطبيقات، ولا يزال العميل مضطرًا في كثير من الحالات لزيارة الفرع لإجراءات كان من المفترض أن تنتهي بنقرة واحدة على الهاتف منذ سنوات.
الوقت ينفد أمام بنك البركة
وفي سوق مصرفي مصري ينمو استخدام التطبيقات البنكية فيه بنسبة 25% سنويًا، وتشهد شركات الفينتيك قفزات تصل إلى 30%، لم يعد هناك متسع للتأخير.
والسرعة لم تعد ميزة تنافسية، بل أصبحت شرطًا للبقاء. وكل شهر يمر دون تحسن جذري في تجربة العميل يعني خسارة آلاف الحسابات الجديدة، وتراجعًا إضافيًا في الودائع، وابتعادًا أكبر للجيل الذي ولد وعاش في عالم رقمي لا يقبل الانتظار.
بنك البركة اليوم يقف على مفترق طرق، إما أن يسارع في تحويل خططه الطموحة إلى واقع ملموس قبل أن ينتهي العام الحالي، وإما أن يظل بنكًا ناجحًا ماليًا على الورق، لكنه يفقد عملائه واحدًا تلو الآخر على أرض الواقع.
