هجوم إلكتروني جديد يثير القلق في الأسواق الأمريكية.. ومطالب رقابية بتشديد حماية بيانات العملاء
دخلت البنوك الأمريكية الكبرى في حالة تأهب قصوى بعد هجوم سيبراني استهدف شركة التكنولوجيا العقارية «سيتوس إيه إم سي» (SitusAMC)، والتي تعد مزوداً رئيسياً لحلول التكنولوجيا والبيانات لعدد واسع من المؤسسات المالية وشركات التمويل العقاري في الولايات المتحدة. وقد أرسلت عدة بنوك كبرى، بينها جي بي مورغان تشيس، وسيتي غروب، ومورجان ستانلي، إشعارات داخلية تحذّر فيها من احتمالات تعرّض بيانات بعض العملاء للاختراق أو الوصول غير المصرح به.
وبحسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مصادر مطلعة، فإن شركة «سيتوس إيه إم سي» أبلغت شركاءها بأن المخاوف تتزايد بشأن اختراق أنظمتها بعد هجوم وقع في 12 نوفمبر الجاري، ما قد يسمح بوصول غير قانوني إلى بيانات حساسة تخص عملاء أفراد وشركات في المجال المالي والعقاري.
هجوم يستهدف حلقة رئيسية في التمويل العقاري
وتُعد «سيتوس إيه إم سي» جزءاً محورياً في سلسلة تقديم خدمات التمويل العقاري في الولايات المتحدة، حيث تعتمد عليها المؤسسات المقرضة والبنوك في إدارة البيانات، أرشفة ملفات العملاء، وتقديم خدمات المعالجة الرقمية الخاصة بالقروض العقارية واستثمارات التمويل. وبذلك، فإن أي ثغرة أمنية في أنظمتها قد تمتد إلى شبكة واسعة من المؤسسات المالية والمستثمرين الذين يستخدمون خدمات الشركة كجزء أساسي من عملياتهم اليومية.
وقد أثارت هذه التطورات موجة قلق داخل القطاع المالي الأمريكي، خاصة أن البنوك المتضررة المحتملة تدير مجموع أصول يفوق تريليونات الدولارات، وتتعامل بشكل مستمر مع بيانات عالية الحساسية، بما في ذلك تفاصيل مالية شخصية، بيانات الضمانات العقارية، ومستندات معاملاتها.
تصاعد الهجمات السيبرانية على القطاع المالي
وتشير التقديرات الصادرة عن هيئة الأمن السيبراني الأمريكية إلى ارتفاع ملحوظ في وتيرة الهجمات الإلكترونية التي تستهدف القطاع المالي خلال العامين الماضيين، خصوصاً تلك المرتبطة بمزوّدي الخدمات التقنية الخارجيين أو الشركات التي تعتمد عليها البنوك في البنية التكنولوجية وإدارة البيانات.
ويرى خبراء الأمن المعلوماتي أن اعتماد المؤسسات المالية المتزايد على خدمات سحابية ومنصات طرف ثالث يفتح باباً واسعاً أمام الاختراقات المحتملة، إذ يمكن أن يؤدي اختراق طرف واحد فقط إلى تسريب بيانات عدد كبير من البنوك والمؤسسات المتعاملة معه، في تكرار لنموذج الهجمات التي شهدتها قطاعات مختلفة حول العالم خلال السنوات الأخيرة.
إشعارات أمنية وتحركات داخلية
وبحسب المصادر، فقد سارعت البنوك الثلاثة إلى إصدار إشعارات داخلية للعاملين والعملاء تفيد بوجود احتمال لتسريب بيانات، مع التأكيد على عدم وجود معلومات مؤكدة حتى الآن حول حجم البيانات التي قد تكون قد تعرضت للوصول غير المصرح به. وتم الإيعاز لفرق الأمن المعلوماتي في المؤسسات المالية باتخاذ إجراءات احترازية، تشمل تعزيز التحقق من عمليات الدخول، ومراجعة سجلات التحميل والاستعلام، وزيادة مراقبة حركة الأنظمة المرتبطة مع مزود الخدمات المتأثر.
وتسود مخاوف من أن تكشف التحقيقات الجارية خلال الأيام المقبلة عن اتساع نطاق الهجوم وتأثيره على بيانات ائتمانية ومصرفية ومعلومات حساسة تخص عملاء أفراد وشركات عقارية ومستثمرين في السوق الأمريكية.
احتمال تدخل الجهات الرقابية
وبالتزامن مع تصاعد المخاوف، يُتوقع أن تبدأ الجهات الرقابية الأمريكية في متابعة الحادث بشكل مكثف، وفي مقدمتها المؤسسات المعنية بإدارة المخاطر وحماية البيانات في القطاع المالي، خاصة مع استمرار دعوات داخل الكونغرس وخارجه لتشديد الإجراءات الأمنية على الشركات العاملة كمقدمي خدمات تقنية للمصارف والمؤسسات المالية الكبرى.
ويرى محللون أن زيادة الاعتماد على مزودي خدمات خارجيين في قطاع المال الأمريكي، خصوصاً في مجالات مثل معالجة بيانات العملاء، التحليل الائتماني، إدارة القروض العقارية، والنمذجة الرقمية للتمويل، يجعل الحاجة إلى تشريعات أقوى لحماية البيانات أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
مشهد متوتر ومستقبل غامض
وفي ظل عدم الإفصاح عن الحجم الدقيق للاختراق حتى الآن، يبقى القطاع المالي الأمريكي في حالة ترقب وقلق بالغين، خاصة أن هذه الواقعة تأتي ضمن سلسلة من الهجمات التي طالت مؤسسات مالية وشركات تأمين وخدمات سحابية في الأشهر الأخيرة، من بينها هجمات كشفت تسريبات واسعة للبيانات في شركات مثل «أليانز لايف» و«أديداس»، ما يعكس اتساع رقعة الجرائم السيبرانية المرتبطة بقطاع المال والتجارة الإلكترونية.
ويرى خبراء أن المؤسسات المالية الأمريكية تواجه اليوم حقبة جديدة من التهديدات الرقمية، تتطلب إعادة صياغة منظومة الحماية السيبرانية بما يتوافق مع التطور السريع في تقنيات الاختراق وأساليب الهجوم الإلكتروني الأكثر تعقيداً.
