من الاستيراد للاكتفاء.. لعبة مصر الجديدة في ملف القمح
هو إيه اللي بيحصل في ملف القمح بالظبط؟ وإزاي دولة بتستهلك 750 ألف طن قمح كل شهر وتستورد 60% منهم… قدرت إنها تتفادى أي أزمة عالمية وتثبت السوق كأن مفيش حاجة بتحصل حوالينا؟ وإيه الخطة اللي ماشية دلوقتي علشان نوصل لمرحلة الاكتفاء الذاتي… أو على الأقل نقرب منها بشكل ما كانش متخيل من كام سنة؟ وليه فيه خبراء بيقولوا إن اللي بيحصل دلوقتي هو أكبر إعادة تنظيم لمنظومة القمح في تاريخ مصر الحديث؟
الحقيقة إن الدولة المصرية بقالها فترة بتشتغل على ملف القمح بعقلية مختلفة تمامًا… مابقيناش بنتعامل مع الملف على إنه “استيراد وخلاص” أو “توريد موسم وخلاص”، لأ… الموضوع اتحوّل لمنظومة كاملة هدفها الأساسي: تأمين رغيف العيش… وتأمينه بشكل مستدام، وبأقل تكلفة، وفي ظل أجواء عالمية بتتغير كل أسبوع.
البداية كانت مع جهاز مستقبل مصر… الجهاز ده أخد ملف القمح بالكامل، وحوله من مجرد عمليات شراء إلى إدارة استراتيجية متكاملة. أول خطوة عملها كانت الجمع بين زيادة الإنتاج المحلي وتنظيم الاستيراد. يعني مش زيادة زراعة من غير خطة، ولا استيراد عشوائي… لأ، توسع فعلي في الرقعة الزراعية، ورفع الطاقة الإنتاجية بما يزيد عن مليون طن زيادة عن الموسم اللي فات. والزيادة دي مش رقم وخلاص… الزيادة دي هي اللي دعمت منظومة التموين بشكل مباشر، خصوصًا بعد ما وزارة التموين بدأت تنقية البطاقات بشكل أكبر علشان الدعم يروح لمستحقيه فقط.
لكن السؤال الأكبر… إزاي نضمن إن الأسعار ما تستقرش شهر وتولع الشهر اللي بعده؟

وهنا ظهرت واحدة من أهم خطوات منظومة Future Egypt وهي تأسيس إدارة الشراء الموحد، بالتعاون مع الزراعة والتموين. الفكرة هنا بسيطة… وعبقرية. بدل ما كل جهة تستورد لوحدها وتتفاوض بأسعار مختلفة، اتعمل كيان موحد يدخل من الباب الكبير… يشتري بكميات ضخمة، يفرض شروطه، ويمنع أي تقلبات غير مبررة في الأسعار. خطوة واحدة… قلبت قواعد اللعبة.
والجهاز قالها بشكل واضح… إحنا أعدنا رسم خريطة تجارة الحبوب في مصر. إزاي؟ بتغيير قواعد الاستيراد بالكامل. مصر بقت ماتعتمدش على دولتين أو تلاتة زينا زمان… لأ. دلوقتي بقى عندك روسيا، أوكرانيا، رومانيا، بلغاريا، فرنسا، ودول البحر الأسود. التنويع ده خلق منافسة قوية جدًا بين الموردين… والمنافسة دي نزلت الأسعار وحسّنت شروط التعاقد مع مصر، لأن مصر بقت مشترٍ كبير… وذو وزن… وبيعرف يتفاوض.
واللي يهمك ككمواطن إن رغم كل التوترات الجيوسياسية، والحروب، وارتفاع أسعار الحبوب عالميًا… السوق المصري مافهوش نقص… مافهوش اختناق… والإمدادات ماشية بشكل ثابت ومستريح.
لكن القفزة الأكبر كانت لما الجهاز بدأ يتعامل مع أكبر الشركات العالمية مباشرة. من أول 500 لـ 600 ألف طن شهريًا بصفقات ثابتة، بعيدًا عن الموردين الصغيرين والوسطاء اللي كانوا بيزودوا تكلفة الطن من غير إضافة حقيقية. وده إدّى مصر شبكة توريد أقوى بكتير، واستقرار أطول، وقدرة تفاوض أعلى في السوق العالمي.
وفي وسط كل ده… الجهاز ماوقفش عند الزراعة والاستيراد بس. لأ… راح كمان لمنطقة جديدة تمامًا المقايضة التجارية ودي خطوة اقتصادية متقدمة جدًا، لأنها بتسمح بتبادل السلع مباشرة من غير تدخل وسطاء… وبتوفر وقت وتكلفة… وبتخلق علاقة اقتصادية أعمق من مجرد البيع والشراء. وده اللي خلا شركات خليجية تقدم عروض لشراء المحاصيل المصرية، خصوصًا الموالح والبطاطس.
