تراجع الأسعار في معظم الأقاليم الروسية خلال أغسطس رغم استمرار الضغوط التضخمية

أعلن البنك المركزي الروسي في تقرير حديث أن أسعار المستهلكين سجلت انخفاضًا في 70 إقليمًا من أصل 89 إقليمًا روسيًا خلال شهر أغسطس 2025 مقارنة بشهر يوليو السابق له، في حين تباطأ معدل التضخم السنوي في 77 إقليمًا، وهو ما يعكس الأثر الواضح للسياسة النقدية المتشددة التي يتبعها البنك منذ أشهر في محاولة للسيطرة على موجة التضخم التي ضربت الاقتصاد الروسي منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية وتصاعد العقوبات الغربية.
وأشار التقرير إلى أن التراجع في الأسعار شمل مجموعة واسعة من السلع، لاسيما الخضروات والفواكه الموسمية التي سجلت هبوطًا ملحوظًا نتيجة وفرة الإنتاج المحلي خلال الصيف، إضافة إلى انخفاض أسعار بعض المنتجات الغذائية الأساسية، وهو ما ساعد على تهدئة الضغوط التضخمية بشكل مؤقت. في المقابل، واصلت أسعار الوقود والطاقة ارتفاعها، مما زاد من الأعباء على المستهلكين وأبقى على الضغوط التضخمية قائمة.
وأوضح البنك المركزي أن السياسات النقدية المتشددة، خاصة رفع أسعار الفائدة إلى مستويات تاريخية خلال العامين الماضيين، كان لها دور حاسم في تقليص الطلب المحلي والحد من نمو الائتمان الاستهلاكي، وهو ما انعكس بشكل مباشر على تباطؤ وتيرة ارتفاع الأسعار. ورغم ذلك، حذر البنك من أن المخاطر التضخمية ما تزال قائمة، خصوصًا في ظل استمرار تقلبات الروبل الروسي أمام العملات الأجنبية، وارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب العقوبات المفروضة على قطاعات الطاقة والصناعة والنقل.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن التراجع الأخير في الأسعار يعد مؤشرًا إيجابيًا على قدرة البنك المركزي على التحكم في التضخم، لكنه لا يزال هشًا نظرًا لتأثر الاقتصاد الروسي بعوامل خارجية معقدة، من أبرزها العقوبات الغربية التي طالت النظام المالي وسلاسل التوريد، فضلًا عن ارتفاع تكاليف الاستيراد نتيجة القيود التجارية.
ويرى محللون أن الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة من شأنه أن يضغط على معدلات النمو الاقتصادي، حيث يحد من الاستثمارات الجديدة ويؤثر على القوة الشرائية للمواطنين. غير أن السلطات النقدية الروسية تراهن على أن هذه السياسة ستؤدي على المدى المتوسط إلى تثبيت استقرار الأسعار وإعادة التوازن إلى الأسواق، وهو ما يضع الأسس لنمو أكثر استدامة في المستقبل.
كما تسعى الحكومة الروسية إلى موازنة السياسات النقدية عبر تقديم حوافز للقطاعات الإنتاجية المحلية، وتشجيع الزراعة والصناعة الوطنية لتعويض النقص في الواردات، فضلًا عن توسيع الشراكات التجارية مع الدول الآسيوية والإفريقية في إطار استراتيجية تهدف لتقليل الاعتماد على الأسواق الغربية.
ويشير خبراء إلى أن التحدي الأكبر أمام الاقتصاد الروسي في المرحلة المقبلة يتمثل في التعامل مع استمرار الضغوط التضخمية بالتوازي مع الحفاظ على مستويات مقبولة من النمو، وهو ما يتطلب تنسيقًا أكبر بين السياسات النقدية والمالية، مع تعزيز الاستثمارات الداخلية لزيادة الإنتاجية وتحسين سلاسل الإمداد المحلية.
وبالرغم من أن بيانات أغسطس أظهرت إشارات أولية على تحسن نسبي في أوضاع الأسعار، فإن البنك المركزي الروسي أكد أن الطريق نحو استقرار كامل للأسواق ما زال طويلًا، في ظل استمرار حالة عدم اليقين الجيوسياسي وتأثيراتها المباشرة على ثقة المستثمرين والمستهلكين على حد سواء.