الجنيه جاهز للمنافسة.. أسباب تجعل العملة المصرية في حالة صعود مستمر أمام الدولار

في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والإقليمية، يشهد الجنيه المصري علامات إيجابية واضحة في أدائه أمام الدولار الأمريكي، مما يعكس صعودا نسبيا للجنيه بنسبة تزيد عن 5% منذ بداية العام.
وهذا الاتجاه الإيجابي ليس مصادفة، بل نتيجة لمجموعة من العوامل الاقتصادية الداخلية والخارجية التي تعزز قدرة الجنيه على المنافسة.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض الأسباب الرئيسية لهذا الصعود، مع التركيز على آخر التطورات.
أسباب صعود الجنيه المصري أمام الدولار في 2025
وبدأ صعود الجنيه المصري منذ الأسابيع الأخيرة من يونيو 2025، حيث انخفض سعر الدولار تدريجيًا من أعلى مستوياته فوق 50 جنيها إلى أقل من 48.5 جنيها بحلول أغسطس، واستمر هذا الاتجاه في سبتمبر.
وارتفعت قيمة الجنيه بنسبة 5% منذ بداية العام، مدعومة بتحسن في التدفقات النقدية الأجنبية، وهذا الصعود ليس مؤقتا، بل يعكس تحولات هيكلية في الاقتصاد المصري، حيث أصبح الجنيه أكثر تنافسية بعد تطبيق سياسة سعر صرف مرن منذ مارس 2024، استجابة لمتطلبات صندوق النقد الدولي.
كما أن تراجع الدولار عالميًا بنسبة 10% أمام العملات الرئيسية ساهم في تعزيز هذا الاتجاه، مما جعل الجنيه أقل عرضة للتقلبات الخارجية.
زيادة الاحتياطيات الدولية الدعامة الرئيسية للجنيه
وأحد أبرز الأسباب الداعمة لصعود الجنيه هو الارتفاع الملحوظ في الاحتياطيات الدولية لمصر، ووفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، بلغ صافي الاحتياطيات 49.25 مليار دولار في أغسطس 2025، بزيادة 214 مليون دولار عن يوليو، و5.4% عن العام السابق.
وهذا الارتفاع يعود إلى تدفقات رأسمالية قوية، بما في ذلك استثمارات أجنبية مباشرة تجاوزت 10.7 مليار دولار في السنة المالية السابقة، مع توقعات بجذب 16 مليار دولار في 2025/2026.
كما ساهمت صفقة رأس الحكمة مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار في تعزيز هذه الاحتياطيات، مما وفر سيولة دولارية كافية لدعم الجنيه.
وأكد الخبراء أن هذا التحسن يقلل من الضغوط على ميزان المدفوعات، ويمنع تقلبات حادة في سعر الصرف.

تدفقات الاستثمارات الأجنبية وأدوات الدين الحكومية
وشهدت مصر تدفقات استثمارية قوية في أدوات الدين الحكومية، حيث بلغت الأموال الساخنة 40 مليار دولار بحلول أغسطس 2025، مستفيدة من عوائد تصل إلى 24% سنويًا، وأدى هذا التدفق إلى تراجع الدولار إلى أقل من 48 جنيهًا، وهو أدنى مستوى في 2025.
والاستثمارات الأجنبية غير المباشرة تجاوزت 35 مليار دولار، مع تحول صافي الأصول الأجنبية في القطاع المصرفي إلى إيجابي بـ14 مليار دولار.
كما تتوقع الحكومة جذب 24.6 مليار دولار بحلول 2030، مما يعزز الثقة في الجنيه، وهذه التدفقات ليست قصيرة الأجل فقط، بل تشمل استثمارات طويلة الأمد في العقارات والصناعات، خاصة من الخليج، مما يجعل الجنيه أكثر جاذبية للمستثمرين.
تحسن السياحة والتحويلات والصادرات
وأدى انتعاش السياحة إلى زيادة الإيرادات بنسبة 21.2%، مسجلًا 8 مليار دولار من يناير إلى يونيو 2025، مقارنة بـ6.6 مليار دولار العام الماضي، كما ارتفعت تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 59.6% إلى 15.8 مليار دولار في الفترة نفسها، وهي أعلى معدلات في 7 سنوات.
أما الصادرات، خاصة البتروكيماويات والمنسوجات والمنتجات الزراعية، فقد تحسنت بفضل انخفاض أسعار النفط عالميًا، مما قلل من فاتورة الواردات، في حين أشارت تقارير إلى أن هذه العوامل، إلى جانب نمو الصادرات، ساهمت في وصول الجنيه إلى أعلى مستوى له في 2025.
وهذا التحسن الداخلي يعكس تنويع الاقتصاد، مما يقلل الاعتماد على الدولار ويعزز القدرة التنافسية للجنيه.
سياسات البنك المركزي ودعم صندوق النقد الدولي
ويلعب البنك المركزي دورا حاسما من خلال خفض أسعار الفائدة بـ200 نقطة أساس في أغسطس 2025، مما أدى إلى تراجع التضخم إلى 12% في المدن، ودعم استقرار الجنيه، وهذه السياسة تتوافق مع برنامج صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليار دولار، حيث أكملت مصر المراجعات الرابعة والخامسة، مع توقعات بصفقات إضافية في سبتمبر وأكتوبر.
وأشار الخبراء إلى أن هذا الدعم يوفر سيولة دولارية، مما يمنع الهبوط الحاد للجنيه،كما أن ضعف الدولار عالميًا، بسبب توقعات خفض الفيدرالي الأمريكي للفائدة في سبتمبر، يعزز من هذا الصعود.
هل يستمر صعود الجنيه؟
ويتوقع الخبراء استمرار صعود الجنيه في الربع الأخير من 2025، مع تراجع محتمل للدولار إلى 47 جنيهًا بنهاية العام، شريطة استمرار التدفقات والإصلاحات.
وتقرير "كابيتال إيكونوميكس" أشار إلى أن الجنيه أصبح تنافسيًا بنسبة 57.9%، مما يدعم النمو الاقتصادي ويقلل من عجز الحساب الجاري، ومع ذلك، قد تواجه التحديات مثل التوترات الجيوسياسية أو ارتفاع أسعار الطاقة، لكن الاحتياطيات القوية توفر حماية.
والخبراء يرون أن قرارات الفيدرالي في 16-17 سبتمبر ستكون حاسمة، حيث يتوقع خفض فائدة يعزز من تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة مثل مصر.
ويبدو الجنيه المصري جاهزًا للمنافسة بفضل هذه العوامل المتشابكة، التي تحول الاقتصاد من حالة دفاعية إلى هجومية، وهذا الصعود ليس مجرد إحصائيات، بل يعكس أملًا في استقرار أسعار السلع وتحسين مستوى المعيشة.
ومع استمرار الإصلاحات، قد يشهد 2026 مزيدًا من الإيجابيات، مما يعزز مكانة مصر اقتصاديًا.