حالة ترقب.. ما هي سيناريوهات تسعير الوقود بعد رفع الدعم عنه كاملا خلال الأيام المقبلة؟

تعيش السوق المصرية حالة من الترقب الحذر مع اقتراب موعد اجتماع لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية المقرر عقده في الأسبوع الأخير من سبتمبر الجاري، والذي سيحدد أسعار البنزين والسولار وأسطوانات البوتاجاز للربع الأخير من العام.
ويكتسب هذا الاجتماع أهمية استثنائية، إذ يأتي في مرحلة توصف بأنها الأقرب لإعلان التحرير الكامل لأسعار الوقود، بعدما تقلصت مخصصات الدعم في الموازنة الجديدة إلى 75 مليار جنيه فقط، مقارنة بما يزيد عن 154 مليار جنيه في العام السابق.
تأثير زيادات أسعار البنزين والسولار السابقة
ورغم أن الحكومة مضت في السنوات الأخيرة على خطى متدرجة لخفض الدعم، إلا أن الزيادة الأخيرة في أبريل الماضي كانت مؤشرا واضحا على أن المرحلة النهائية قد اقتربت.
ففي ذلك التوقيت ارتفعت أسعار جميع أنواع البنزين والسولار والمازوت والبوتاجاز بنسب كبيرة، وهو ما أظهر بوضوح أن الفجوة بين تكلفة الاستيراد وسعر البيع المحلي باتت ضاغطة على المالية العامة، خاصة أن فاتورة واردات الوقود تجاوزت في أشهر الصيف وحدها نحو 25 مليار جنيه شهريا.

كيف تسعر الحكومة البنزين والسولار؟
آلية التسعير التي تعتمدها الحكومة تستند إلى معادلة محددة تأخذ في الاعتبار متوسط أسعار خام برنت العالمية، إلى جانب حركة سعر صرف الجنيه أمام الدولار، إضافة إلى التكاليف المحلية الخاصة بالنقل والتكرير والتوزيع.
ووفق هذه الآلية، لا يسمح بأن تتجاوز نسب التغير 10% ارتفاعا أو انخفاضا في كل اجتماع، لكن الواقع يشير إلى أن تدبير احتياجات السوق عبر الاستيراد ـ الذي يشكل ما يقرب من 40% من السولار و50% من البوتاجاز و25% من البنزين ـ يفرض على الدولة تحمل فجوة سعرية تتراوح بين 20 و25% مقارنة بسعر البيع للمستهلك.
سيناريوهات زيادة أسعار البنزين والسولار
في ضوء هذه المعطيات، تتعدد السيناريوهات المطروحة أمام اللجنة، فهناك من يرى أن انخفاض أسعار النفط عالميا، وتحسن سعر الصرف قد يمنحان فرصة لتثبيت الأسعار، على الأقل للحد من الضغوط الاجتماعية التي صاحبت الزيادات السابقة.
بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن الاتجاه الأكثر واقعية سيكون تحريك الأسعار بنسبة لا تتجاوز 10%، وهو ما يسمح بتقليص الفجوة تدريجيا دون إثارة موجة تضخمية واسعة، غير أن سيناريو التحرير المرحلي على خطوتين يبقى مطروحا أيضا، بحيث يجري رفع الأسعار بنسبة تتراوح بين 10 و12% في هذا الاجتماع، على أن تستكمل الزيادة النهائية في ديسمبر المقبل ليصبح التحرير الكامل أمرا واقعا مع مطلع 2026.

زيادة طفيفة للسولار والبوتاجاز الخيار الأرجح
وبالنظر إلى المنتجات الأكثر حساسية، يبدو السولار في مقدمة الاهتمام الحكومي باعتباره شريان النقل والإنتاج، الأمر الذي يجعل من تثبيت سعره أو الاكتفاء بزيادة طفيفة الخيار الأكثر ترجيحًا، لتفادي انعكاسات مباشرة على أسعار السلع والخدمات.
أما البوتاجاز، ورغم كونه من أكثر المنتجات المدعومة، فإنه سيظل محميا من التحرير الكامل في هذه المرحلة، وإن كان من المتوقع استمرار رفع تدريجي يقترب من تكلفة الاستيراد لكنه لا يساويها بالكامل.
زيادة أسعار البنزين والسولار.. كيف يتأثر المواطن؟
هذه الخطوات لا تقتصر على البعد المالي فقط، بل تمتد إلى تأثيرات اجتماعية واقتصادية أوسع، فالتحرير الكامل يعني تحميل المستهلك النهائي جزءًا كبيرًا من التكلفة الحقيقية للطاقة، بما قد ينعكس على قطاعات النقل والصناعة والزراعة، غير أن الحكومة تراهن على أن الإصلاح سيؤدي إلى ضبط الاستهلاك، وتحفيز الاستثمار في قطاع الطاقة، وتخفيف الضغط على الموازنة العامة، كما أن تحسن المؤشرات العالمية للنفط وتراجع تكلفة الاستيراد قد يخفف من حدة الزيادات، بما يجعل عملية التحرير أقل قسوة مما يخشاه البعض.

زيادة أسعار البنزين.. هل هي بداية لرفع الدعم نهائيا؟
في النهاية، تبدو مصر على أعتاب منعطف اقتصادي مهم، حيث لم يعد السؤال المطروح هو ما إذا كانت أسعار الوقود ستتحرك أم لا، بل متى وبأي نسبة سيتم الرفع، وكيف ستتم الموازنة بين متطلبات الإصلاح الاقتصادي وضغوط الواقع الاجتماعي.
وما ستسفر عنه اجتماعات لجنة التسعير في سبتمبر، سيكون بمثابة التمهيد المباشر لمرحلة جديدة قد تشهد إلغاء الدعم نهائيا بنهاية العام الجاري، لتتحول السوق المحلية إلى مرآة كاملة لتقلبات النفط عالميا وسعر الصرف محليا.