الاقتصاد الروسي يواجه تباطؤًا صناعيًا وسط تراجع الصادرات وزخم الإنتاج العسكري

يشهد قطاع التصنيع في روسيا ضغوطا متزايدة، إذ أظهر أحدث مسح صادر عن مؤسسة S&P Global أن نشاط المصانع انكمش للشهر الثالث على التوالي في أغسطس آب 2025، متأثراً بتراجع الإنتاج وتقلص الطلبات الجديدة سواء في السوق المحلية أو على مستوى التصدير. وارتفع مؤشر مديري المشتريات (PMI) الصناعي إلى 48.7 نقطة في أغسطس مقابل 47.0 نقطة في يوليو، إلا أنه لا يزال دون مستوى الـ50 نقطة الذي يفصل بين النمو والانكماش.
وبحسب نتائج المسح، عزا المصنعون استمرار التراجع إلى ضعف الطلب المحلي والصعوبات المالية لدى المستهلكين، بجانب انخفاض الطلبيات التصديرية التي تراجعت للشهر الخامس خلال الأشهر الستة الماضية. وأشارت الشركات المشاركة في المسح إلى أن تراجع القوة الشرائية داخلياً وتباطؤ الطلب الخارجي، خصوصاً من الأسواق التقليدية لروسيا، كبحا فرص النمو الصناعي بشكل كبير.
ورغم أن الإنفاق الحكومي الروسي الضخم على المعدات العسكرية والأسلحة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022 قد وفر دعماً مؤقتاً للقطاع الصناعي، فإن الزخم الذي نتج عن ذلك بدأ يتلاشى تدريجياً خلال العام الجاري. ويرى خبراء أن تركيز الاقتصاد الروسي على الصناعات العسكرية قلص من قدرته على تنويع الإنتاج وتلبية الطلب في القطاعات المدنية، ما انعكس على مؤشرات الصناعة في الأشهر الأخيرة.
على صعيد الصادرات، أظهر المسح أن الطلبيات الجديدة تراجعت بحدة في أغسطس، حيث أكدت الشركات أن ضعف الطلب في الأسواق الحالية يحد من تدفق المبيعات، خصوصاً في ظل العقوبات الغربية المتزايدة والعزلة الاقتصادية التي تواجهها موسكو. ويشير اقتصاديون إلى أن تقلص الصادرات لا يرتبط فقط بالقيود التجارية، بل أيضاً بتباطؤ الطلب العالمي على السلع الصناعية عموماً في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي.
ومع ذلك، حملت بيانات المسح بعض المؤشرات الإيجابية؛ إذ عاد التوظيف الصناعي إلى النمو، حيث أقدمت المصانع على زيادة أعداد العاملين بدوام كامل وتمديد فترات العمل لمواكبة متطلبات الإنتاج. وكان شهر أغسطس قد شهد أسرع وتيرة لخلق الوظائف منذ يوليو 2024، ما يعكس محاولة الشركات تعزيز قدراتها التشغيلية تحسباً لفرص نمو مستقبلية.
كما أبدى المصنعون تفاؤلاً حذراً بشأن آفاق الإنتاج في الفترة المقبلة، مستندين إلى خطط استثمارية تتضمن حملات تسويقية وإعلانات جديدة، إلى جانب طرح منتجات محسّنة بهدف تنشيط المبيعات المحلية وتعويض جزء من التراجع الخارجي. ومع ذلك، يرى محللون أن استمرار القيود الاقتصادية والعقوبات الغربية، إضافة إلى الضغوط التضخمية وضعف القدرة الشرائية، قد تحد من قدرة هذه الاستثمارات على تحقيق تحول جوهري في القطاع.
وبصورة عامة، تعكس نتائج مؤشر مديري المشتريات لشهر أغسطس صورة معقدة للاقتصاد الروسي؛ فهو من جهة يواجه ضغوطاً حقيقية بفعل تراجع الطلب المحلي والخارجي، لكنه من جهة أخرى يبدي مقاومة نسبية من خلال استمرار خلق الوظائف واستعداد الشركات للبحث عن حلول تسويقية وإنتاجية جديدة. وبينما يبقى مستقبل القطاع الصناعي مرهوناً بمسار الحرب والعقوبات الدولية، فإن مؤشرات الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان التباطؤ الحالي سيبقى مؤقتاً أم سيتحول إلى اتجاه طويل الأمد.