السبت 23 أغسطس 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير
عمرو عامر
تحليل

تحويل مصنع الحديد والصلب بحلوان.. من قلعة الحديد إلى رهان جديد على النسيج

السبت 23/أغسطس/2025 - 01:30 م
تحويل مصنع الحديد
تحويل مصنع الحديد والصلب بحلوان لمجمع للمنسوجات

تبحث وزارة الصناعة خطوات جديدة لإعادة توظيف واحد من أعرق قلاع الصناعة الوطنية، مصنع الحديد والصلب بحلوان، ليصبح مجمعا متكاملا للصناعات النسيجية والصناعات المغذية لصناعة الملابس الجاهزة، في إطار خطة أوسع لزيادة القدرة التنافسية للقطاع الصناعي وتعميق المكون المحلي، وذلك من أجل استقطاب استثمارات أجنبية تسهم في إعادة إحياء المنطقة الصناعية بحلوان وتحويلها إلى محور صناعي متكامل يخدم السوق المحلي ويعزز من فرص التصدير.

هذا التوجه، يأتي في ظل رؤية حكومية أوسع لتعزيز حلقات التشابك الصناعي، وتوفير سلاسل إمداد متكاملة للملابس الجاهزة، بما يقلل فاتورة استيراد مستلزمات الإنتاج ويفتح آفاقا جديدة لفرص العمل في واحدة من أكثر الصناعات كثافة في تشغيل العمالة وأقلها استهلاكًا للطاقة.

رؤية وزارة الصناعة: إعادة التوظيف لا التصفية

كشف وزير الصناعة والنقل المصري، الفريق كامل الوزير، أن هناك إمكانية لدراسة إعادة استغلال موقع مصنع الحديد والصلب التاريخي بحلوان كمجمع للصناعات النسيجية، مع التركيز على جذب استثمارات أجنبية كبرى تسهم في بناء هذا المشروع العملاق، موجها بأهمية تحقيق التكامل بين مختلف حلقات الصناعة، وتعميق الصناعات المكملة التي تخدم الملابس الجاهزة، مؤكدًا أن تعزيز هذا القطاع يساهم في تقليل الواردات وزيادة الإنتاج المحلي.

وشدد الوزير على أن صناعة الملابس الجاهزة تعد من الصناعات المستهدفة للتوسع خلال المرحلة المقبلة، نظرًا لكونها صناعة كثيفة العمالة وقليلة التكلفة من حيث استهلاك الطاقة، فضلا عن تمتع مصر بسمعة طيبة فيها على المستويين المحلي والعالمي، مشيرا إلى أن المقومات المتاحة من مواد خام، وأيدٍ عاملة مدربة، وإمكانات تكنولوجية ومعرفية، تمثل قاعدة صلبة للانطلاق نحو تعزيز القدرة الإنتاجية والتصديرية لهذه الصناعة.

تحويل مصنع الحديد والصلب بحلوان.. من قلعة الحديد إلى رهان جديد على النسيج

هل تكتب تصريحات الوزير نهاية أعرق شركة في المنطقة العربية؟

قصة مصنع الحديد والصلب بحلوان ليست مجرد حكاية صناعية عابرة، بل تمثل جزءا من ذاكرة مصر الاقتصادية منذ خمسينيات القرن الماضي، تأسست الشركة عام 1954 بمرسوم جمهوري، لتكون أول وأعرق شركة في المنطقة العربية، وبدأ إنتاجها عام 1961 بطاقة بلغت 1.2 مليون طن سنويا، لتصبح أول مجمع متكامل لإنتاج الصلب في العالم العربي.

كان المصنع متميزا بإنتاج الحديد من خام محلي مستخرج من الواحات البحرية، عبر أفرانه العملاقة، في وقت اعتمدت فيه بقية المصانع المصرية على استيراد "البيليت" وإعادة تشكيله، ومع امتلاكه لمساحة شاسعة تصل إلى 1700 فدان، وطاقم عمل تجاوز 26 ألف عامل في أوج ازدهاره، ظل مصنع الحديد والصلب أيقونة صناعية مصرية لعقود.

لكن غياب التطوير وتراكم المشكلات المالية بعد 2016، مع زيادة أسعار الطاقة وانخفاض قيمة الجنيه بعد تحرير سعر الصرف، كلها مشكلات قادت الشركة إلى دوامة كبيرة من الخسائر والمديونيات، وفي يناير 2021، قررت الجمعية العامة غير العادية للشركة القابضة للصناعات المعدنية تصفية شركة الحديد والصلب، وبعدها بأشهر أُغلقت أبواب المصنع نهائيا، لتطوى صفحة عريقة من التاريخ الصناعي.

جدل حول تحويل مصنع الحديد والصلب لمجمع للملابس

إعلان كامل الوزير عن دراسة تحويل المصنع إلى مجمع للصناعات النسيجية أثار حالة واسعة من الجدل داخل الأوساط الصناعية والعمالية، حيث تباينت الآراء بين من يرى في الخطوة فرصة لإحياء المنطقة وتوفير وظائف جديدة، وبين من يراها طيا نهائيا لصفحة الإرث الصناعي للحديد والصلب.

الأمر قوبل بالنفي من المسؤولين عن شركة الحديد والصلب المصرية، حيث أعلنت الشركة في بيان لها، إنها ليست لديها أي معلومات بشأن دراسة تحويل مصنع الحديد والصلب بحلوان إلى مجمع للصناعات النسيجية والملابس الجاهزة، مشيرة إلى هذا الطرح لا يزال قيد الدراسة ولم يتخذ بشأنه قرار نهائي.

تحويل مصنع الحديد والصلب بحلوان.. من قلعة الحديد إلى رهان جديد على النسيج

مصنع الحديد والصلب بين إرث الماضي ورهانات المستقبل

يقف مصنع الحديد والصلب اليوم على مفترق طرق، من جهة، إرث تاريخي يمثل أحد أعمدة الصناعة الثقيلة المصرية وعنوانا لطموحات الدولة في الخمسينيات والستينيات، ومن جهة أخرى، طموح جديد للاستفادة من الأصول والأراضي الشاسعة في مشروع صناعي معاصر يعزز فرص النمو ويوفر وظائف، في وقت يحتاج فيه الاقتصاد المصري إلى مشروعات إنتاجية كثيفة العمالة.

ويبقى السؤال: هل سيكتب لمصنع الحديد والصلب فصل جديد في تاريخه لكن بثوب نسيجي مختلف، أم ستظل الفكرة مجرد رؤية مطروحة للنقاش دون تنفيذ فعلي؟.. الإجابة ستحدد ملامح علاقة مصر بماضيها الصناعي، وتوجهها نحو صناعات المستقبل.