مصر تحقق المعجزة المالية.. كيف وصلت حصيلة ضرائب أدوات الدين إلى 302 مليار جنيه؟

قصة نجاح لافتة جديدة تكتبها مصر، تتمثل في مضاعفة الحصيلة الضريبية من الاستثمار في أدوات الدين إلى 302.2 مليار جنيه خلال العام المالي المنتهي في يونيو 2025، وهذا الإنجاز لم يكن مجرد رقم في الموازنة العامة، بل شهادة على جهود إصلاحية طموحة وإستراتيجيات مبتكرة تبنتها الحكومة المصرية لتعزيز مواردها المالية.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض الأسباب والسياسات التي أدت إلى هذا الإنجاز اللافت، مع التركيز على الإصلاحات المالية والتكنولوجية التي عززت كفاءة التحصيل الضريبي، وسط بيئة اقتصادية عالمية معقدة.
تحديات وفرص
وتشكل الضرائب العمود الفقري لإيرادات الدولة المصرية، حيث تمثل أكثر من 70% من الإيرادات العامة في السنوات الأخيرة، ومع ارتفاع أعباء الدين العام وتزايد الحاجة إلى تمويل الموازنة، كان على الحكومة المصرية البحث عن سبل جديدة لتعزيز مواردها دون فرض أعباء ضريبية إضافية على المواطنين.
وفي هذا الإطار، برزت أدوات الدين، مثل أذون وسندات الخزانة، كمصدر رئيسي للإيرادات الضريبية، حيث شهدت مصر زيادة ملحوظة في الاقتراض الحكومي عند مستويات فائدة مرتفعة، مما ساهم في تعزيز الحصيلة الضريبية.
إلغاء الإعفاءات الضريبية خطوة إستراتيجية
وأحد العوامل الرئيسية وراء هذا النجاح كان قرار الحكومة المصرية بإلغاء الإعفاءات الضريبية على استثمارات المؤسسات الحكومية في أذون وسندات الخزانة.
وهذه الخطوة، ساهمت في زيادة الحصيلة الضريبية بشكل كبير، ففي السابق، كانت هذه الاستثمارات تتمتع بإعفاءات ضريبية، مما قلل من إيرادات الدولة، إلا أن إلغاء هذه الإعفاءات فتح الباب أمام تحصيل ضرائب إضافية من المؤسسات الحكومية التي تستثمر في أدوات الدين، مما عزز الإيرادات إلى مستويات غير مسبوقة.

تعزيز الاقتراض الحكومي
وشهد العام المالي 2024/2025 زيادة ملحوظة في الاقتراض الحكومي عبر إصدار أذون وسندات الخزانة بمعدلات فائدة مرتفعة، مما جذب المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.
وهذه السياسة، التي جاءت في ظل ارتفاع تكلفة الاقتراض عالميًا نتيجة السياسات المالية التقييدية في الاقتصادات الكبرى، ساهمت في زيادة حجم الاستثمارات في أدوات الدين.
وبفضل هذا الارتفاع، تمكنت الحكومة من فرض ضرائب على العوائد المحققة من هذه الأدوات، مما أدى إلى مضاعفة الحصيلة الضريبية إلى 302.2 مليار جنيه.
دور الرقمنة والتكنولوجيا في تعزيز الكفاءة
ولم يكن هذا الإنجاز ممكنًا دون الاستثمار في الرقمنة وميكنة المنظومة الضريبية، فقد نفذت مصلحة الضرائب المصرية خطة شاملة لتطوير منظومة التحصيل الضريبي، شملت استخدام التكنولوجيا الحديثة لتتبع التعاملات المالية وتقليل التهرب الضريبي.
وهذه الجهود، التي تضمنت أيضًا دمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الضريبية، ساهمت في توسيع القاعدة الضريبية دون الحاجة إلى فرض ضرائب جديدة أو زيادة الشرائح الضريبية.
ومضاعفة الحصيلة الضريبية من الاستثمار في أدوات الدين إلى 302.2 مليار جنيه ليست مجرد إنجاز مالي، بل تعكس رؤية إستراتيجية طموحة لتعزيز الاستدامة المالية في مصر، ومن خلال إلغاء الإعفاءات الضريبية، وزيادة الاقتراض بفوائد مرتفعة، والاستثمار في الرقمنة، تمكنت مصر من تحقيق قفزة نوعية في مواردها الضريبية.
وهذا النجاح يعزز مكانة مصر كاقتصاد ناشئ قادر على مواجهة التحديات العالمية، ويؤكد أن الإصلاحات المالية المدروسة يمكن أن تحدث فارقًا في بناء مستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا وازدهارًا.