مشروع منخفض القطارة الأخضر.. طموح مصري لتحويل الصحراء إلى كنز وطني

في قلب الصحراء الغربية المصرية، حيث تمتد رمال منخفض القطارة بمساحة تزيد عن 20 ألف كيلومتر مربع، ينبض حلم وطني عمره أكثر من قرن بالحياة من جديد، ويعود اليوم مشروع منخفض القطارة برؤية جديدة تحمل اسم "منخفض القطارة الأخضر".
وهذا المشروع العملاق، الذي يسعى لتحويل المنخفض إلى بحيرة صناعية ومركز تنمية شامل، يمثل طموحًا مصريًا يسعى لإعادة تشكيل مستقبل المنطقة اقتصاديًا وبيئيًا واجتماعيًا.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض الخطط التنفيذية الجديدة للمشروع، لنسلط الضوء على هذا المشروع الطموح الذي يحمل آمال الملايين.
تاريخ الفكرة من الحلم إلى الواقع
وبدأت فكرة مشروع منخفض القطارة عام 1916 على يد البروفيسور الألماني هانز بانك، الذي اقترح استغلال انخفاض المنطقة عن مستوى سطح البحر – الذي يصل إلى 134 مترًا – لتوليد الطاقة الكهرومائية عبر ربط المنخفض بالبحر المتوسط، ولاحقًا، في عام 1931، طوّر البروفيسور جون بول هذه الفكرة، واقترح شق قناة تصل مياه المتوسط بالمنطقة.
وعلى الرغم من الدراسات العديدة التي أجريت على المشروع خلال القرن الماضي، إلا أن المخاوف من التكلفة العالية، والتأثيرات البيئية، وصعوبات الحفر حالت دون تنفيذه.
واليوم وبعد عقود من التأجيل، عاد المشروع إلى الواجهة بتصور جديد يعالج هذه التحديات.
الرؤية الجديدة "منخفض القطارة الأخضر"
وفي يونيو 2025، استضافت نقابة المهندسين المصرية ندوة علمية بمشاركة 35 عالمًا وخبيرًا من مختلف التخصصات، لمناقشة المقترح الجديد لمشروع "منخفض القطارة الأخضر"، وهذا المقترح، الذي استغرق عامًا من الدراسات الجيولوجية والبيئية والزراعية، يتجاوز فكرة توليد الطاقة الكهرومائية إلى مشروع تنموي شامل يمتد من ساحل البحر المتوسط إلى عمق المنخفض.
وبحسب الدكتور رضا عبد السلام، أحد قادة الفريق البحثي، يهدف المشروع إلى تحويل المنخفض إلى "كنز وطني" يوفر 5 ملايين فدان زراعية، ومجتمعات عمرانية تستوعب 20 مليون نسمة، إضافة إلى مشروعات سياحية واستثمارية خضراء تتماشى مع معايير الاستدامة البيئية.

رؤية متكاملة
وتتضمن الخطة التنفيذية الجديدة ثلاثة خيارات رئيسية لنقل مياه البحر المتوسط إلى المنخفض، وهي حفر قناة مائية سطحية بطول 200 كيلومتر، أو إنشاء أنفاق تحت الأرض لتقليل التبخر، أو استخدام أنابيب ومحطات ضخ رغم تكلفتها العالية.
والمشروع يتضمن أيضًا إنشاء مدن ذكية من الجيل الخامس تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة، وتشمل مدينة طبية عطرية، ومدن لإنتاج الأسماك، واللؤلؤ، والمحاريات، وعسل النحل باستغلال غابات المنجروف.
كما يركز المشروع على تحلية المياه باستخدام طاقة متجددة صديقة للبيئة، مما يضمن عدم رفع منسوب البحيرة بشكل يؤثر على استدامة توليد الطاقة.
والمشروع يهدف إلى توليد 2500 ميجاوات/ساعة سنويًا من الكهرباء، مما يوفر حوالي 1.5 مليار دولار سنويًا مقارنة بالوقود التقليدي.
كما يسعى لتعزيز الأمن الغذائي عبر زراعة محاصيل استراتيجية، تحقيق الاكتفاء الذاتي من الزيوت واللحوم والأسماك، وتصدير الفائض بجودة عالمية.
أما الدكتور عبد الفتاح الشيخ أكد أن المشروع لن يؤثر سلبًا على المياه الجوفية، بينما أشار الدكتور حمدي الغيطاني إلى أن نظام تحلية المياه سيكون خاليًا من المخلفات، مما يعزز الاستدامة البيئية.
دور القيادة السياسية
وأبدى الرئيس عبد الفتاح السيسي اهتمامًا كبيرًا بالمشروع منذ عام 2014، حيث كلف وزير الكهرباء بإجراء دراسة جدوى حديثة.
وفي أبريل 2025، وقعت شركة "إيجبت" اتفاقية لدعم تنفيذ المشروع، مما يعكس التزام الحكومة بإحياء هذا الحلم الوطني.
والمهندس طارق النبراوي، نقيب المهندسين، أكد أن المشروع سيكون إضافة لسلسلة المشروعات القومية العملاقة التي تشهدها مصر، مشيرًا إلى استعداد النقابة لتقديم الخبرات الهندسية اللازمة.
ومشروع منخفض القطارة الأخضر ليس مجرد مشروع هندسي، بل رؤية حضارية شاملة تهدف إلى إعادة تشكيل الصحراء الغربية إلى مركز تنمية مستدامة.
ومع خطط تنفيذية مدروسة وتكنولوجيا متقدمة، يبدو المشروع واعدًا بتحقيق نقلة اقتصادية وبيئية غير مسبوقة، رغم التحديات التي تتطلب دراسات إضافية وتمويلًا مستدامًا. هل سيكون هذا المشروع بوابة مصر نحو المستقبل الأخضر؟ الإجابة تكمن في قدرة الدولة على تحويل هذا الحلم إلى واقع ملموس يعزز مكانتها بين الدول العظمى.