الخميس 07 أغسطس 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير
عمرو عامر
تحليل

تعيدنا إلى "صدمة نيكسون".. الرسوم الجمركية تقود العالم نحو كارثة مالية

الخميس 07/أغسطس/2025 - 07:00 م
الرسوم الجمركية تقود
الرسوم الجمركية تقود العالم نحو كارثة مالية

منذ اللحظة التي أعلن فيها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب اعتماد سياسة الرسوم الجمركية كأداة مركزية في معاركه التجارية مع الصين وشركاء واشنطن الاقتصاديين، دخل الاقتصاد العالمي في نفق من التوترات الهيكلية التي ما زالت ارتداداتها تضرب الأسواق حتى اليوم. 

فعلى خلاف ما روج له صناع القرار آنذاك، لم تكن تلك الرسوم وسيلة لحماية الصناعة الأمريكية بقدر ما كانت الشرارة التي أعادت تشكيل قواعد التجارة العالمية، وأثارت سلسلة من الإجراءات الانتقامية التي أربكت سلاسل الإمداد، ورفعت التكاليف، وأضعفت ثقة المستثمرين في استقرار النظام المالي الدولي.

تحذيرات من كارثة اقتصادية مقبلة

هذه الحقيقة تمثل، من وجهة نظر خبراء المال، عامل ضغط متصاعد يهدد بتفجير أزمة جديدة في توقيت بالغ الحساسية، ومن بين أبرز الأصوات التي دقت جرس الإنذار في هذا السياق، جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورجان، والذي أطلق تحذيرا شديد اللهجة بشأن التداعيات الكارثية لهذه السياسات، مؤكدًا أن الأسواق تعيش حالة إنكار جماعية لحجم الخطر الكامن من وراء تطبيق الرسوم الجمركية التي أطلقها ترامب بعد تربعه على عرش السلطة في امريكا.

جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورجان

وقال ديمون، إن الاقتصاد العالمي يسير نحو كارثة حتمية، فيما يعيش المستثمرون "وهم الاستقرار" غير مدركين حجم العاصفة المقبلة، مشيرا إلى ديمون إلى أن الإجراءات الحمائية، وعلى رأسها الرسوم الجمركية، تمثل قنبلة موقوتة لم تفعل بعد، مؤكدا أن أثرها الحقيقي لم يُحسب بدقة في أسواق الأسهم، رغم تصاعد المخاطر على مستويات متعددة.

 أكد ديمون أن إعادة تفعيل سياسات الرسوم الجمركية، حتى في صورتها "المخففة"، كفيلة بإحداث اضطراب واسع في سلاسل الإمداد والأسواق، موضحا أن هذه الرسوم تفوق الحد المقبول، وتعيد فتح ملف الحرب التجارية في توقيت شديد الحساسية اقتصاديا.

ولم يتوقف تحذيره عند حدود التقديرات، بل استعاد مشهدا تاريخيا وصفه بـ"الإنذار المبكر"، حين فرض الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في عام 1971 رسوما جمركية بلغت 10% على كافة الواردات، ضمن ما عرف وقتها بـ"صدمة نيكسون"، والتي رافقها قرار فك ارتباط الدولار بالذهب، تلك الخطوة، وفقا لديمون، فجرت أزمة مالية عميقة، وما نواجهه اليوم قد يكون نسخة أكثر تعقيدا منها، تتداخل فيها العوامل النقدية مع الهشاشة الهيكلية للاقتصاد العالمي.

أسواق وول ستريت مهددة بهبوط حاد

وبنبرة قاطعة، قال ديمون إن الأسواق الأمريكية على وشك موجة تصحيح عنيفة، إذ يتوقع هبوطا قد يصل إلى 10% في مؤشرات "وول ستريت"، نتيجة انخفاض متوقع في أرباح الشركات وارتفاع أسعار السلع، موضحا أن هذا التراجع لن يكون عابرا، بل قد يظهر الخلل العميق في تقييم الأصول، التي يرى أنها "مبالغ فيها بدرجة خطيرة".

لفت ديمون إلى أن بوادر الأزمة بدأت تتجلى، ليس فقط من خلال أرقام الاقتصاد الكلي، بل من خلال قرارات الشركات الكبرى، فشركة وولمارت، المعروفة تاريخيًا بتقديم أسعار منخفضة، أعلنت بالفعل عن زيادات في الأسعار. فيما تراجعت شركات كبرى مثل جنرال موتورز وفولفو وجيت بلو عن إصدار أي توقعات مستقبلية، في دلالة على غياب الرؤية وارتفاع منسوب القلق داخل مجالس إدارات تلك الكيانات.

تعيدنا إلى “صدمة نيكسون”.. الرسوم الجمركية تقود العالم نحو كارثة مالية| تفاصيل 

فخ الديون يخنق الشركات.. والبنوك المركزية عاجزة

وفي تحذير بالغ الخطورة، تحدث ديمون عن "قنبلة القروض المؤجلة"، محذرا من أزمة ائتمانية قادمة ستطال الشركات التي اعتادت طويلا على التمويل الرخيص في ظل أسعار فائدة منخفضة، قائلا: "هذه الشركات تجد نفسها الآن مكشوفة ماليا، بينما تتقلص فرص إعادة التمويل وتتراجع شهية البنوك للمخاطرة.

لكن المفارقة الكبرى، بحسب ديمون، تكمن في موقف البنوك المركزية، التي يرى أنها "تعيش وهم القدرة الكاملة"، موضحا أن هذه المؤسسات لا تزال تظن أن بإمكانها احتواء أي أزمة عبر أدواتها التقليدية، وعلى رأسها التحكم في أسعار الفائدة قصيرة الأجل، لكنها – في تقديره – لن تتدخل سريعا إذا تباطأ الاقتصاد العالمي، ولن تكون قادرة على امتصاص الصدمة حين يقع المحظور.

واختتم ديمون تصريحاته بتشبيه صارخ للوضع الحالي، قائلاً: "الأسواق تتحرك دون إدراكا كامل بحجم المشكة والإفاقة من هذا الوهم ستكون مؤلمة، والخسائر قد تكون أكبر مما يتوقعه حتى أكثر المتشائمين".