مصر بتصنع بعرق ولادها.. حكاية إنتاج 10 قطارات مترو أنفاق لأول مرة بأيدي مصرية

شهدت مصر إنجازا غير مسبوق في مجال النقل الجماعي، حيث تم بنجاح تصنيع وتجميع عربات مترو الأنفاق لأول مرة محليا داخل مصنع "سيماف" التابع للهيئة العربية للتصنيع، بأيدٍ مصرية خالصة، وذلك في إطار التعاون الاستراتيجي مع شركة "هيونداي روتم" الكورية الجنوبية.
فنجحت مصر ولأول مرة في تاريخها في تصنيع وتجميع قطارات مترو الأنفاق داخل أراضيها، في خطوة تجسد بوضوح توجه الدولة نحو تعزيز مكونات الاقتصاد الإنتاجي، وامتلاك ناصية التكنولوجيا، وتوطين الصناعات الاستراتيجية وفق رؤية الجمهورية الجديدة.
تفاصيل تصنيع 10 قطارات للخط الثالث لمترو الأنفاق بأيد مصرية
جاء هذا الإنجاز في إطار التعاقد المبرم بين الهيئة القومية للأنفاق وشركة "هيونداي روتم" الكورية الجنوبية، والذي ينص على تصنيع وتوريد 32 قطارا مكيفا بالكامل لصالح الخط الثالث لمترو أنفاق القاهرة الكبرى، وتم تصنيع 22 قطارا بالفعل في كوريا الجنوبية، وبدأت العمل ضمن شبكة المترو، بينما نقلت مهام تصنيع القطارات العشرة المتبقية إلى مصر، ليتم تجميعها محليا داخل مصانع "سيماف" بأيدي مهندسين وفنيين مصريين.
هذه الخطوة لا تعد فقط نقلة نوعية في مجال تصنيع معدات النقل الجماعي، وإنما تعد نموذجا تطبيقيا ناجحا لنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى الداخل المصري، وتطوير المهارات المحلية للتعامل مع تقنيات صناعية معقدة.

مواصفات قطارات مترو الانفاق المصنعة في مصر
القطارات المنتجة محليا ليست مجرد عربات تقليدية، بل تم تزويدها بمنظومة تقنية متكاملة تعكس آخر ما توصلت إليه صناعة النقل عالميا، تشمل تلك التجهيزات أنظمة تكييف عالية الكفاءة مصممة لتحمل ظروف التشغيل في البيئة المصرية، إلى جانب ممرات آمنة تربط بين العربات لتسهيل حركة الركاب، وشاشات معلومات LCD لعرض بيانات الرحلة وإعلانات تجارية، إلى جانب كاميرات مراقبة متطورة مثبتة في مقدمة القطارات، وأخرى داخل العربات لضمان سلامة الركاب وتعزيز منظومة المراقبة المركزية للسكة.
كما تم تزويد القطارات بشاشات خارجية مثبتة أعلى الأبواب لإعلام الركاب باسم المحطة النهائية، ما يُعزز من سهولة التنقل داخل المترو ويوفر تجربة راقية تواكب النظم المتبعة في العواصم العالمية.
"سيماف".. من مصنع تقليدي لقاطرة التصنيع الذكي
مصنع "سيماف" – الذي كان في الماضي مصنعا تقليديا لإنتاج مهمات السكك الحديدية – أصبح اليوم نموذجا حصريا لمجمع صناعي متكامل يعتمد على أحدث معايير الثورة الصناعية الرابعة، فمن خلال عمليات تطوير شاملة للماكينات وخطوط الإنتاج، تحول المصنع إلى منصة صناعية متقدمة قادرة على إنتاج مكونات معقدة وفق أعلى درجات الدقة والجودة.
وشكل هذا التطور أساسا مهما لاختيار "سيماف" كشريك محلي لتنفيذ المرحلة الثانية من مشروع قطارات المترو، بدلا من الاعتماد الكامل على التصنيع بالخارج، وقد نجح المصنع في رفع نسب المكون المحلي، بما يسهم في تقليل فاتورة الاستيراد وتعزيز القيمة المضافة داخل الاقتصاد المصري.

الانتهاء من تصنيع 10 قطارات بأيدي مصرية 100%
في كلمته خلال الاحتفالية الرسمية التي أُقيمت، قبل عام تقريبا، بمناسبة الانتهاء من تصنيع 10 قطارات تضم 80 عربة، أكد اللواء مهندس مختار عبد اللطيف، رئيس الهيئة العربية للتصنيع، أن الإنجاز يعكس ثقة الجانب الكوري في القدرات الصناعية لمصر، مشيرًا إلى أن المشروع نفذ بالكامل بأيدي مصرية وفق الجدول الزمني المخطط، وبأعلى مستويات الدقة والكفاءة.
وأشار إلى أن هذا التعاون يجسد التوجه الاستراتيجي للهيئة نحو تأسيس شراكات صناعية مع كبرى الشركات العالمية، ونقل التكنولوجيا المتقدمة إلى الداخل، بما يخدم أهداف الدولة في تعميق الصناعة المحلية وتطوير البنية التحتية الذكية للنقل.
زمن جانبه، أعرب "جن هي شانج"، المدير الإقليمي لشركة "هيونداي روتم"، عن فخره بالتعاون مع الهيئة العربية للتصنيع، مؤكدًا أن مصنع "سيماف" تجاوز التوقعات من حيث جودة الإنتاج ودقة التنفيذ والتزامه بالجدول الزمني المحدد، وهو ما جعله مؤهلاً للمنافسة في المشاريع الكبرى على المستوى الإقليمي.
وأكد المسؤول الكوري أن شركته تتبنى اشتراطات صارمة في الجودة، إلا أن الكفاءات الهندسية والفنية الموجودة داخل مصنع "سيماف" أثبتت قدرتها على الالتزام بهذه المعايير العالمية، مشيرًا إلى تطلع شركته لاستمرار الشراكة في مشاريع صناعية متطورة مستقبلًا، سواء في مجال عربات المترو أو مجالات صناعية أخرى.

خطوة نحو الاكتفاء الذاتي
يمثل هذا المشروع أكثر من مجرد إنجاز صناعي، بل يعد نقلة استراتيجية على طريق تقليل التبعية للخارج في قطاع حيوي يمثل شريانا للحياة داخل العاصمة، فتوطين صناعة عربات المترو لا يوفر فقط العملة الصعبة، بل يفتح المجال أمام تصدير التكنولوجيا المصرية مستقبلا، ويرسخ لفكرة السيادة الصناعية في ملفات كانت لعقود طويلة حكرا على الخارج.
ومع هذا النجاح، تثبت مصر أنها تسير بخطى ثابتة نحو بناء قاعدة صناعية وطنية قادرة على المنافسة، مدفوعة بإرادة سياسية واضحة، وبدعم فني وتقني ومؤسسي يستند إلى شراكات استراتيجية تُعيد تشكيل الخريطة الصناعية للمنطقة بأكملها.