النفط يحافظ على مكاسبه.. التوترات الجيوسياسية تكبح تأثير تخمة المعروض
حافظت أسعار النفط العالمية على معظم مكاسبها في بداية الأسبوع، مع استمرار المتعاملين في تقييم مزيجٍ معقّد من العوامل المتعارضة: تصاعد التوترات الجيوسياسية في عدد من مناطق الإنتاج، مقابل إشارات متزايدة على وفرة الإمدادات وارتفاع المخزونات عالميًا.
وتداول خام برنت دون مستوى 62 دولاراً للبرميل بعد ارتفاع بنسبة 2.1% خلال تعاملات الإثنين، فيما استقر خام غرب تكساس الوسيط قرب 58 دولاراً، بدعم من طلبٍ تحوّطي في الأسواق المالية خشية تعطل الإمدادات، بالتوازي مع عمليات شراء لجني فرص قصيرة الأجل عقب تراجعات سابقة.
وتعمقت المخاطر الجيوسياسية مع إعلان فنزويلا بدء إغلاق آبار نفطية في منطقة تُعدّ من أكبر احتياطيات العالم، وذلك تحت ضغطٍ متصاعد من العقوبات والحصار الأميركي. وفي سياق متصل، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن بلاده استهدفت منشأة داخل الأراضي الفنزويلية، ما زاد من حساسية السوق لأي تطور مفاجئ.
وتزامن ذلك مع مستجدات الحرب في أوكرانيا، بعدما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه سيُعيد النظر في موقفه التفاوضي عقب هجمات بطائرات مسيّرة استهدفت مواقع حساسة، بينما لوّح ترمب بتوجيه ضربة جديدة لإيران إذا أعادت بناء برنامجها النووي. هذا المشهد، وفق محللين، أعاد “علاوة المخاطر” إلى تسعير النفط، رغم المؤشرات الواضحة على تخمة محتملة في المعروض.
وعلى الجانب الآخر، لا يزال النفط في طريقه لتسجيل تراجع سنوي ملحوظ، مع مخاوف من أن يتجاوز الإنتاج العالمي مستوى الطلب خلال الفصول المقبلة. وزاد تحالف “أوبك+” إنتاجه سعياً لاستعادة حصة سوقية، ما ساهم في تعزيز توقعات الفائض، خاصة مع بطء نمو الاستهلاك في عدد من الاقتصادات الكبرى.
ومن أبرز مؤشرات وفرة الإمدادات، ارتفاع حجم النفط المخزن على متن ناقلات ثابتة حول العالم لمدة لا تقل عن سبعة أيام بنسبة 15% الأسبوع الماضي، بحسب بيانات شركة “فورتكسا”، ما دفع الإجمالي إلى مستويات تقترب من الذروة المسجلة في نوفمبر الماضي — وهي الأعلى منذ عام 2020. ويشير ذلك إلى أن المنتجين والمتعاملين يجدون صعوبة متزايدة في تصريف الإمدادات فوراً إلى الأسواق النهائية.
وقال غاو جيان، المحلل في شركة “تشيشينغ فيوتشرز”، إن “الاضطرابات السياسية طغت مؤقتاً على سردية فائض المعروض”، لكنه حذّر من أن الاتجاه العام قد يميل إلى الهبوط إذا استمرت زيادات المخزونات وتوسّعت موجة الإنتاج. وأضاف أن التسعير الحالي يعكس “توازناً هشّاً” بين الخوف من تعطّل الإمدادات والقراءات السلبية للمخزونات.
وفي الولايات المتحدة، أظهرت بيانات حكومية أن مخزونات الخام في مركز كوشينغ بولاية أوكلاهوما — وهو مركز تسليم عقود النفط الخام الأميركي — سجّلت أكبر زيادة أسبوعية منذ أواخر أكتوبر خلال الأسبوع المنتهي في 19 ديسمبر. كما ارتفعت مخزونات البنزين والمقطرات على مستوى البلاد، في إشارة إلى تباطؤ موسمي في الطلب، مع تأخر نشر البيانات بسبب عطلة عيد الميلاد.
ويرى مراقبون أن الأسواق تتجه لفترة من التقلبات الواضحة، إذ قد تظل الأسعار مدعومة على المدى القصير بعوامل المخاطر السياسية، لكنها تبقى مهددة بعودة الضغوط إذا ثبتت وفرة الإمدادات وواصلت المخزونات صعودها في الأسابيع المقبلة.
