الذهب يخترق حاجز 4500 دولار وسط موجة إقبال غير مسبوقة على الملاذات الآمنة
شهدت أسواق المعادن النفيسة موجة صعود غير مسبوقة، بعدما تجاوز الذهب مستوى 4500 دولار للأوقية للمرة الأولى في تاريخه، مدفوعاً بتزايد الطلب على الملاذات الآمنة وتنامي التوقعات بخفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة خلال العام المقبل. وأصبح الذهب العنوان الأبرز في الأسواق العالمية، مع تسارع وتيرة التحركات السعرية واتساع مشاركة المستثمرين الأفراد والمؤسسات على حد سواء.
وسجل السعر الفوري للذهب 4492.51 دولار للأوقية، بعد أن لامس مستوى قياسياً بلغ 4525.19 دولار، بينما ارتفعت العقود الآجلة لشهر فبراير إلى 4520.60 دولار للأوقية. وامتد الزخم الصعودي إلى بقية المعادن النفيسة؛ إذ قفزت الفضة إلى 72.27 دولار للأوقية بعد تسجيل قمة تاريخية عند 72.70 دولار، فيما صعد البلاتين إلى 2351.05 دولار، وارتفع البلاديوم بنحو 2% ليصل إلى 1897.11 دولار — وهو أعلى مستوى له في ثلاثة أعوام.
ويرى محللون أن موجة الصعود الحالية لا ترتبط فقط بالمخاطر الجيوسياسية، بل تعكس تحوّلاً أعمق في سلوك المستثمرين تجاه الأصول التي لا تحمل مخاطر سيادية. وقال إيليا سبيفاك، رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في شركة «تاستي لايف»، إن المعادن النفيسة تُعامل بشكل متزايد كقصة استثمارية ذات طابع مضاربي في عالم يشهد تراجعاً في وتيرة العولمة وتزايداً في التوترات بين الاقتصادات الكبرى. وأوضح أن ضعف السيولة في نهاية العام أسهم في تضخيم التحركات السعرية، لكنه رجّح استمرار الاتجاه الصاعد، مشيراً إلى إمكانية استهداف الذهب مستوى 5000 دولار خلال 6 إلى 12 شهراً، مع إمكانية صعود الفضة نحو 80 دولاراً للأوقية.
وخلال العام الحالي، حقق الذهب مكاسب تجاوزت 70% — وهي الأكبر منذ عام 1979 — بدعم من عمليات شراء قوية من البنوك المركزية، وتنامي الرهانات على خفض أسعار الفائدة، إضافة إلى محاولات بعض الاقتصادات تقليص الاعتماد على الدولار. كما جذبت الصناديق المرتبطة بالذهب تدفقات استثمارية كبيرة، في وقت تتزايد فيه المخاوف من تباطؤ النمو العالمي وأعباء الديون.
أما الفضة، فقد تفوقت على الذهب مكاسباً، بعدما قفزت أكثر من 150% منذ بداية العام، مستفيدة من إدراجها ضمن قائمة المعادن الحيوية في الولايات المتحدة، ومن الطلب الصناعي المتنامي المرتبط بالطاقة المتجددة والتقنيات الحديثة. وفي السياق ذاته، التحق البلاتين والبلاديوم بموجة الصعود، مدفوعين بشح الإمدادات من المناجم وعدم اليقين المرتبط بالسياسات التجارية، فضلاً عن تحوّل جزء من السيولة الاستثمارية من الذهب إلى المعادن البديلة.
وقال تيم ووترر، كبير محللي الأسواق في «كيه سي إم تريد»، إن الذهب والفضة «ضغطا على دواسة التسارع»، مع سعي المستثمرين إلى حماية محافظهم في ظل توقعات بخفض الفائدة وتزايد مستويات الدين العالمي. لكنه حذّر في الوقت نفسه من أن التحركات السريعة قد تجعل الأسواق أكثر عرضة لجني الأرباح في حال ظهرت إشارات على تشديد السياسة النقدية أو تحسن مفاجئ في البيانات الاقتصادية.
وبينما يواصل الذهب اعتلاء قمة الاهتمام العالمي، يظل التساؤل المطروح هو ما إذا كان هذا الصعود يمثل بداية دورة طويلة الأمد، أم موجة مضاربية ستخضع للاختبار مع عودة السيولة إلى الأسواق في العام المقبل.
