تباطؤ التضخم الأمريكي ينعش «وول ستريت» ويعيد خفض الفائدة إلى الواجهة
أشعلت بيانات أظهرت تباطؤاً ملحوظاً في التضخم الأمريكي موجة صعود قوية في أسواق الأسهم والسندات، ما أعاد إحياء الآمال بشأن توجه الاحتياطي الفيدرالي نحو خفض أسعار الفائدة خلال عام 2026، في وقت يترقب فيه المستثمرون أي مؤشرات تؤكد انحسار الضغوط السعرية.
ورحّبت الأسواق بأبطأ وتيرة لارتفاع أسعار المستهلكين منذ مطلع عام 2021، رغم التحفظات المرتبطة بتأثير الإغلاق الحكومي على دقة البيانات. واعتبر المتعاملون أن القراءة الأخيرة للتضخم تمنح متنفساً للأسواق التي عانت ضغوطاً متواصلة في الأسابيع الماضية.
وسجلت الأسهم الأمريكية مكاسب واسعة، حيث ارتفع مؤشر «إس آند بي 500» بنحو 1% منهياً سلسلة خسائر استمرت أربعة أيام، بينما قفز مؤشر «ناسداك 100» بنسبة 1.5%، مدعوماً بصعود قوي لأسهم شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي يعزز شهية المخاطرة
لم يقتصر الدعم على بيانات التضخم فقط، إذ عززت توقعات قوية لشركة «مايكرون تكنولوجي» ثقة المستثمرين في قطاع الذكاء الاصطناعي، وقفز سهم الشركة بنحو 10%، ما انعكس إيجاباً على أسهم الرقائق والتكنولوجيا بوجه عام.
في المقابل، تراجعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية، حيث انخفض العائد على السندات لأجل 10 سنوات بنحو أربع نقاط أساس إلى قرابة 4.11%، مع تراجع المخاوف من سيناريو تضخم أكثر حدة قد يقيّد مسار التيسير النقدي.
بيانات مشوشة لكن التفاؤل حاضر
وأثارت ظروف الإغلاق الحكومي تساؤلات حول دقة بيانات التضخم، إذ لم يتم جمع بيانات الأسعار خلال أكتوبر، وبدأت عملية أخذ العينات في نوفمبر في وقت متأخر. ورغم ذلك، رأى كثير من المستثمرين أن الاتجاه العام للبيانات يشير إلى تحسن ملموس في مسار الأسعار.
وأظهرت قراءة نوفمبر أن التضخم في عدد من الفئات الرئيسية كاد أن يتلاشى بعد فترة طويلة من الثبات، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي بنسبة 2.6% على أساس سنوي، وهو مستوى أقل من جميع التوقعات.
رهانات السوق على الفائدة
وتعكس تسعيرات السوق حالياً احتمالاً محدوداً لخفض الفائدة في اجتماع يناير، مقابل تسعير شبه كامل لخفض بحلول منتصف عام 2026، مع تمسك المتعاملين بتوقع خفضين للفائدة خلال العام المقبل، إذا واصل التضخم التراجع وظهرت إشارات ضعف إضافية في سوق العمل.
ويرى محللون أن البيانات الأخيرة تمنح صانعي السياسة النقدية هامشاً أوسع للمناورة، خاصة في ظل ارتفاع البطالة مقارنة بذروتها السابقة، وتراجع المخاوف من عودة التضخم إلى الارتفاع.
حذر الفيدرالي لا يزال قائماً
ورغم موجة التفاؤل، لا يزال الحذر مسيطراً على توقعات الاحتياطي الفيدرالي، إذ يدعو بعض المحللين إلى عدم المبالغة في تفسير قراءة واحدة للتضخم، وانتظار بيانات ديسمبر التي يُنظر إليها باعتبارها أكثر دقة وحسماً في تحديد المسار النقدي.
ويُرجح أن يواصل الفيدرالي اتباع نهج الترقب والتقييم، مع التركيز على تحقيق توازن دقيق بين السيطرة على التضخم ودعم سوق العمل، خاصة مع اقتراب عام 2026.
تفاؤل حذر ومخاطر قائمة
ومع دخول الأسهم الأمريكية العام الجديد بزخم إيجابي، يحذر مراقبون من التقييمات المرتفعة وضيق قاعدة الأسهم القائدة للمكاسب، إضافة إلى الاعتماد المتزايد على أداء شركات الذكاء الاصطناعي، ما قد يشكل مصدر مخاطر في حال حدوث تصحيح مفاجئ.
ورغم هذه التحديات، يرى كثير من المستثمرين أن تباطؤ التضخم ومرونة الاقتصاد الأمريكي قد يفتحان المجال أمام مكاسب إضافية للأسواق، شريطة تأكيد الاتجاه الإيجابي للبيانات خلال الأشهر المقبلة.
